لا تكن كالماء!
أحمد عصام روّاى
على الرغم من اهتماماتى المتنوعة التى تتنازعنى فيما بينها، إلا أنها تتفق فى شىء ما يُعد جوهرياً. فدراستى العلمية فى مجال الصيدلة، ورغبتى المعرفية اللامتناهية فى مجالات شتى كالسياسة والاقتصاد وعلمى النفس والاجتماع والفلسفة والأدب، وحبى للكتابة من أجل مناقشة آرائى فى القضايا المختلفة التى تظهر على الساحة العامة، فى بعض الأحيان -بما يسمى «التريند»- كلها تدفعنى إلى أن أكون حيادياً. أتقبل الرأى والرأى الآخر. رأى خلف رأى ونظرية عقب نظرية تعصف بأركانك وتدخلك حالة صراع بين معتقداتك وقناعاتك الماضية وما يدعوك إليه الحاضر. قضية خلف قضية وشأن خلف شأن تمكن الحيادية من التغلغل إلى داخل عقلك والسيطرة على شخصيتك. مع الوقت لا شىء سيشغل عقلك إلا الطريقة المثلى للتصرف فى المواقف المختلفة، حتى وإن كان ذلك على حساب ما كنت تعتقد أنه ثوابتك!
القليل من الحيادية والبراجماتية -العملية- شىءٌ عظيم، ولكن كما قال أسلافنا «الشىء الذى يزيد على الحد، ينقلب إلى الضد». حيث إذا سيطرت عليك هذه الصفات صرت كالماء؛ لا رائحةَ لك، ولا لونَ.
بعد مرورى الشخصى بمرحلة الماء تلك، وإدراكى لأن كل القيم التى توصل لها الإنسان نسبية. أدركت أنه لا بد من بعض الركائز الأساسية التى يرتكن المرء إليها لتكون له بمثابة البوصلة الأخلاقية التى تعمل على إرشاده بين أدغال الحياة.
وأنا أظن أن أم هذه الركائز هو أن تضع الله نصب عينيك، وتعمل على تفهم دوافع الآخرين، وأن تحاول تحقيق أقصى مكسب مع الالتزام بأقل الأضرار التى تتكبدها أنت ومن حولك. يجب عليك دائماً أن تحاول الوصول للحق والعدل والخير، وأن تتجنب كل الصراعات التى لن تجلب لك أى مكسب سوى الجهد الضائع والشقاء. اجعل لذاتك بعض الخطوط الحمراء التى لا يمكن لأى أحد تخطيها وزعزعة ثقتك بها كأهلك وأصدقائك المقربين. كوّن رأيك النقدى الخاص فى كل ما يمر أمامك، ولا تحاول فرضه على أحد. وفى النهاية حدد لنفسك أهدافاً قريبة وبعيدة المدى، واسعَ نحوها دائماً متمسكاً بمبادئك حتى لا تضل الطريق.
لا تكن كالماء؛ فعلى الرغم من كونه أساسياً لاستكمال الحياة، فإن تجرّع ما لا طعم له لا متعة فيه.. والقليل من الانحيازات -بلا تعصب- لا يضر!