محمود الكردوسى يكتب: كل «25 يناير» وأنت «مضحوك عليك»
جانب من مظاهرات 25 يناير 2011
هذه مجموعة من الملاحظات سجلتها بعد نحو عام ونصف على تخلى الرئيس مبارك، وقبل أسابيع قليلة من وصول عصابة الإخوان إلى الحكم. لا أجزم فى الحقيقة بأنها «شهادة».. بل مجرد ملاحظات عن أكثر الفترات حرجاً بعد 25 يناير. كانت نتائج ما بعد سقوط نظام الرئيس مبارك قد بدأت تتضح. سكن الغبار وانخمدت الحرائق وبدأ المشهد السياسى يسيل، وفاحت رائحة مؤامرة. اكتشف المصريون أنهم جالسون على أنقاض وليس لديهم رؤية ولا خطة ولا عقل مفكر يعيد بناء ما هدمته «25 يناير» على أسس جديدة تتناسب وشعارات الميدان التى رفعوها وبحت أصواتهم بها. اكتشفوا أن أحلامهم ذهبت سدى، وأن الرابح الوحيد هو الإخوان. وبدلاً من أن يصححوا خطأهم بالانقلاب على مبارك من دون خطة أو رؤية.. وقعوا فى خطأ آخر وسلموا زمامهم لتلك العصابة الفاشية. الآن تمر ست سنوات على ما جرى، وأصبحوا على يقين بأنهم خدعوا.
1
كل الذين أدانتهم «شرعيتك الثورية» فى «موقعة الجمل» خرجوا أبرياء بـ«نص القانون»، لأن القانون لا يعرف الجمل من النملة. كل جبروت مبارك ونظامه لم يجرؤ على إقالة «النائب العام» أو الإطاحة برئيس تحرير صحيفة قومية أو حزبية أو مستقلة. كل المتهمين فى كل الجرائم والمذابح «طرف ثالث»، وكل طرف ثالث «ضلالة»، وكل ضلالة فى النار، ونار الثورات لا تحرق إلا أصحابها. كل الذين سميتهم «شهداء» ذهبوا سدى، لأنك اعتبرتهم «حقك»، وغيرك يرى أنك «تريد بهم باطلاً»، أما حقوقهم وقصاصك فقد أصبحا «شخابيط» على جدران الأنفاق وأسوار المنشآت العامة وأعلام الألتراس. أصبحا كـ«علم ثورتك المباركة»: خطوط حمراء وسوداء رديئة، باهتة، تحتضن جيفة ثائر بائس. كل الوعود والمشاريع وأنهار اللبن والعسل التى أجراها تيارك الدينى تحت قدميك تبخرت. أصبحت غيوماً داكنة، تثير فى النفس خوفاً وتشاؤماً وإحباطاً وكآبة. كل أيامك أصبحت «جمعة»، وكل عشرة أمتار مربعة فى مصر -من «أسوانها» إلى «مطروحها»- أصبحت «ميدان تحرير»، وكل خصمين -حتى إذا كانا رجلاً وزوجته- تتوسطهما «مليونية»، وأحلامك التى اندلعت فى رأسك منذ «جمعة التنحى» أصبحت قوسين خانقين: «شروق من الشعارات.. وغروب فى اللحى». كل الرايات «خضراء» كذباب القبور: سيفان يتقاطعان فى شعار مستحيل. الـ«عيش» أصبح تراباً فى الأفواه، والـ«حرية» أصبحت فوضى وقلة أدب، والـ«عدالة» أصبحت نصاً مهجوراً.. «عدلت فأمنت فنمت يا عمر». القانون أصبح «سوستة» فى بنطلون الرئيس، والشعب «زرار مقطوع» فى قميصه الواقى، والدولة غرفتين وصالة: واحدة للمرشد والثانية للشاطر، والصالة «سقيفة» لتوزيع الغنائم. النخبة التى ضحكت عليك وأوهمتك أنها «مشروبك الثورى» أصبحت خمراً مغشوشة، وحديثها عن الديمقراطية «بيزنس» غير شرعى: «قليله يُسكر.. فكثيره حرام». الدين أصبح صلاة من أجل «طاغية»، وكل طاغية «مشتق ثورة»، وكل ثورة فى عين «ثورها» أحد احتمالين: إما «كوكب درى يوقد من شجرة مباركة»، وإما «أبغض الحلال»، أى خراب البيوت العمرانة، لكن ثمة احتمالاً ثالثاً.
لماذا لا تقول إن ما جرى ويجرى منذ 25 يناير 2011 لم يكن «ثورة» فى الأساس، بل مجرد «حمل كاذب»، أو «كدبة بيضا حلوة»، صدقتها بمزاجك عندما كانت «بيضا حلوة»، أى فى الأيام الثمانية عشر الأولى، ثم غصباً عنك منذ استفتاء 19 مارس المشئوم، أى بعد أن ركبها وركبك «الإخوان والذين معهم» ودلدلوا أقدامهم فى أحشائك؟. لماذا لا تقول إنك صدقتها -فى الحالتين- لأنك فقط تكره «مبارك ونظامه»، وكنت تعتقد أنك بسقوطهما تحررت من «احتلال» ثلاثين عاماً، وأن مصر أصبحت أخيراً ملك يمينك؟.
من الذى سماها «ثورة»: شباب الـ«فيس بوك» الذين نزلوا إلى الميدان بـ«ثأر خالد سعيد»، أم نخبتك التى تأكل على كل الموائد ولحم أكتافها من فساد نظام مبارك، أم قناة «الجزيرة» وعاصمتها «قطر»، أم «الإخوان» الذين كانوا يجلسون على ضفة النهر منذ ثمانية عقود فى انتظار الجثة؟. من الذى سماها، ولماذا سميت «ثورة»: مجازاً أم نفاقاً أم انسياقاً أم حفاظاً على مكاسب قديمة أم قفزاً على مغانم جديدة.. أم لأننا شعب «فقرى» لا تعيش له «ثورات»، وإذا عاشت سرقها منه مترفوه وبلطجيته؟.
لا أصدق أن شعب الـ«18 يوماً» هو نفسه الذى تحول بين عشية وضحاها إلى خليط من بلطجية السياسة وأشباه المثقفين وتجار الدين والبخور و«عذاب القبر».. وإعلان تنحى مبارك أشبه بـ«الأورجازم».. هلل الشعب قليلاً ثم طار خفيفاً كعصفور وعندما حطَّ على الأرض يبحث عن «ثورته المجيدة» كان الإخوان والذين معهم قد اختطفوها والتهموها
2
كلهم ضحوا بـ«الأم» ليعيش «الجنين»
كلهم كتبوا وغنّوا وطبلوا وحلموا وهتفوا ونفخوا عروقهم (وجيوبهم)، ثم صدّعوا رؤوسنا بمعارك ونقاشات بيزنطية حول الدستور، والتأسيسية، ومرجعية الدولة، و«الشعب الذى يريد..»، وتقاعس المجلس العسكرى، وجشع الإخوان، وحصة الثوار من الغنيمة، ورخاوة القوى السياسية، و«نهضة مرسى»، والـ«ميت يوم.. فى شهر.. فى سنة»، واسترداد الأموال المنهوبة، والقصاص للشهداء. كلهم يصرون على أنها «ثورة»، وبنوا لها مقاماً فى التحرير!. حتى أولئك الذين أضيروا وخاب أملهم فى ثوارهم ونخبتهم و«تحريرهم» و«مرسيهم» و«شرفهم» و«قنديلهم» صلوا وسلموا وآمنوا بأنها «ثورة»، وجرت الكلمة على ألسنتهم، كما لو كانت وحياً يوحى!. ثم مات «الجنين» ولم يبقَ منه إلا الاسم وتاريخ الميلاد: «ثورة 25 يناير 2011». وباسم هذا الجنين.. باسم هذه الثورة المشئومة، تحولت مصر إلى خرابة ينعق فيها بوم الفضائيات الدينية، وتسرح بين أنقاضها فئران وثعابين وعقارب هدد «أمن الدولة».
لم نعد نعرف مَن الثائر ومَن البلطجى!. من الأحق بـ«ثواب الشهادة» وقصاصها: الشاب الذى دهسته مصفحة أو اصطاده قناص وهو يحلم بـ«وطن» يتشرف بالانتماء إليه.. أم «الصايع»، «المستبيع»، الذى قضى طمعاً فى الفوز بـ«طبنجة ميرى» مقابل علبة سجائر ومكان لأسرته فى طابور المطالبين بـ«دية» موته؟. هل كان حرق المجمع العلمى، وانتهاك المحاكم وأقسام الشرطة، وتفجير أنابيب الغاز، وقطع الطرق، وتعطيل مصالح الناس، و«تثبيتهم»، والمشى عكس الاتجاه، واستباحة كل ما هو خاص وعام، والنوم على أرصفة الحكومة وقضبان قطاراتها، والهوس بالإضرابات والاعتصامات والوقفات و«القعدات» الاحتجاجية.. هل كان ذلك «تغيير نظام» أم «هدم دولة»؟. ماذا تُسمى عجرفة الإسلاميين وعدوانيتهم تجاه خصومهم ومنافسيهم، وكأن مصر أصبحت «جارية» فى كنف «بديعهم» و«شاطرهم» و«مالكهم» و«عريانهم» و«برهاميهم» و«مخيونهم» و«بلكيمهم» و«ونيسهم»؟. وماذا تسمى انقسامهم على أنفسهم، ثم انقلابهم على حلفاء «الثمانية عشر يوماً»: حراك ثورى أم «ماشافوهمش وهمّه بيسرقوا..»؟. ماذا تسمى خطاب «دعاتهم» الذى بلغ حد الفجاجة والابتذال: إرهاب دينى أم «رومانسية ثورية»؟. ومن الذى «يمثل» الغريزة بحق: «رذيلة» إلهام شاهين أم «فضيلة» الشيخ على ونيس؟. حتى ميدان التحرير، الميدان الذى كان حلماً بـ«هايد بارك»، تحول إلى «كنيف» يتغوط فيه «الصيع» وخرتية وسط البلد والمسجلون وذباب العشوائيات وباعة الحشيش وحمص الشام والنازحون من أحراش الدلتا والصعيد وشظايا حركات الاحتجاج.. فأين «الثورة» فى كل هذا؟.
ستقول -رغم يقينك بأنها أصبحت «ثورة شك» وليس «ثورة شعب»- إننى أعمى، لأن هذه الثورة أصبحت أمراً واقعاً، وسأدخل النار لأننى كفرت -والعياذ بالله- بـ«إذا الشعب يوماً أراد الحياة..»!. ستقول -وكبرياؤك الآن فارغ ومقلوب ومدلدل على جانبى فخذيك كجيبى بنطلونك- إننى لست فقط أعمى وكافراً بـ«إرادة الشعب».. بل جاحد أيضاً، إذ يكفى أن هذه الثورة أسقطت مبارك ونظامه الذى قهرك وجوّعك وأمرضك وأكل حقوقك، وهذا يعنى أن «مصر تغيّرت» وذهبت إلى مستحقيها!. ستسألنى -وكف «إخوانك» الذين بعت لهم صوتك بـ«كرتونة زيت وسكر» وبواقى «توحيدهم ونورهم» لا تزال مطبوعة على قفا سيادتك: لماذا تستكثر على الإخوان أن يحكموا يا عدو الله وعدو الديمقراطية؟. لماذا تكرههم؟. ألم يحصلوا عليها بشرف ونزاهة؟. ألم يهزموا فلولك بالقاضية؟. ألم يناضلوا ويتعذبوا ويُلقَى بهم فى غياهب السجن أكثر من ثمانين عاماً؟.
3
وأنا بدورى أسألك: فيمَ تثق.. وفيمن؟!
«السياسة» أصبحت أمواجاً يُكَسِّر بعضها بعضاً. وكل «قواك» السياسية مشغولة عنك: إما باندماجاتها وانشقاقاتها، أو بـ«دستور» يعبر عن جموع «شعب متخيل» تعتقد هذه القوى أنها تُعبّر عنه، أو بالغناء لـ«الثورة» وهدهدتها واللعب فى فرو رقبتها لتنام وفى بطن سيادتك «منجاية إسماعيلاوى» من النوع الذى وصى عليه الإمام الإرهابى «حسن البنا» -ألف رحمة و«نور» و«حرية» و«عدالة» على روحه النجسة- فى بيان تأسيس «جماعته». كل الأحزاب والتيارات والحركات والائتلافات و«الافتكاسات» الثورية «تتحرش» بهذه الثورة، حتى بعد أن «تأخونت» و«تحجّبت» وأصبحت على ذمتين -أو بـ«ذمتين»- فى وقت واحد: كارثة «جاموسة العياط» زواجاً رسمياً، وأهزوجة «الجو بديع» زواجاً عرفياً.
كلهم يتحرّشون بثورتك: العلمانيون والليبراليون -وهم فى ظنى «كائنات افتراضية»- يشدون «طرحتها» ويحاولون فك زرارين فى قميصها لتكون واجهة لدولتهم المدنية. والشيوعيون -الممتلئون بمأثرة نجيب محفوظ «إن ركوب هذه الفتاة يمثل ركوب طبقة»- يريدونها متاعاً لهم ولعشوائييهم (بروليتاريتهم الرثة) فى بولاق الدكرور والدويقة والأباجية وبطن البقرة وإسطبل عنتر وقلعة الكبش وعين الخيالة وغيرها من الأحياء «الراقية». والناصريون يرون أنها «قفة بودنين: ودن عمال، وودن فلاحين». أما السلفيون فأنواع: «ونيس» يفضل الاختلاء بها فى سيارة ملاكى على طريق سريع. و«بلكيمى» ولهان، اضطر إلى كسر أنفه و«شلفطة» سحنته ليثبت لهذه الثورة أنه يحبها بعدد شعر لحيته، فخسرها وخسر مقعده «الكتاتنى» فى مجلس الشعب المنحل. و«حوينى» يرى أن خروجها أساساً من البيت، بصرف النظر عن ملابسها، يجعلها مسئولة بالكامل عن جريمة التحرش، ويجعل من المتحرش عقاباً إلهياً لها. أما النوع الرابع فهو «جهادى»، يرى أن مهمتها قد انتهت بإخراجه من دفاتر وسراديب «أمن الدولة»، ومن ثم لا بد من «هد» البيت على رأسها لتموت ومعها سره!.
4
ظاهرياً: «الشعب» هو الذى أسقط النظام!
والحقيقة: لا نظام مبارك سقط، ولا الشعب هو الذى أسقطه.
أولاً: كان «إعلان تنحى مبارك» بعد 18 يوماً من الشد والجذب أشبه بـ«الأورجازم»، أى ذروة النشوة فى فعل الجنس: هلل الشعب قليلاً، ثم طار خفيفاً كعصفور. وعندما حط على الأرض وراح يبحث عن «ثورته المجيدة» لم يعثر لها على أثر. كان «الإخوان والذين معهم» قد اختطفوها أو التهموها «كما يلتهم الذئب دجاجة» كما قال السيناريست المخضرم وحيد حامد، وتبيّن أن هدفهم لم يكن إسقاط مبارك ونظامه، بل إسقاط «الدولة» نفسها، واستبدالها بـ«إمارة إسلامية»، لا مكان فيها إلا للثريد ولبن الماعز والنقاب والهودج ومشاعل الزيت وقطع الأيدى وأخذ الجزية.. «عن يدٍ وهم صاغرون». ليس غريباً إذن أن تستيقظ كل يوم على «وجه شبه» جديد وسافر بين «نتائج» هذه الثورة و«مقدماتها»، حتى إن بعض متظاهرى «جمعة كشف الحساب» التى اعتدى فيها «الإخوان» على الثوار وأوقعوا بينهم أكثر من مائة مصاب، عبروا عن ذلك برفع صورة للرئيس.. كتبوا تحتها «محمد مرسى مبارك». ليس غريباً ألا تشعر بالفرق بين «لحية» مرسى البيضاء و«شعر» مبارك المصبوغ. بين «محظورة» الأول و«أوتوبيساتها»، و«منحل» الثانى و«ميكروباصاته». بين «مستشارى» مرسى الذين أوقعوه فى معارك ومآزق كثيرة، خسرها كلها: بالنقاط حيناً وبالقاضية حيناً آخر، و«بطانة» مبارك التى أوصلته إلى هذا المصير المحزن. بين شطارة «خيرت» وغموضه، ودهاء «عز» وتبجحه. بين رفع الأذان فى مجلس شعب الدكتور الكتاتنى، وقزقزة اللب والسودانى والتراشق بالشوكولاتة فى مجلس شعب الدكتور سرور.
ثانياً: إذا كنت تعتقد أن الشعب هو الذى أسقط نظام مبارك فأنت واهم. نظام مبارك سقط من تلقاء نفسه، لأنه ترهل وشاخ و«اشتعل الرأس شيباً». لم تنفعه صبغة شعر الرئيس، وانهار فى ثمانية عشر يوماً. سقط كتفاحة معطوبة على فرع يابس. سقط بحجر «مقلاع» أتاه من حيث لا يحتسب: من الـ«فيس بوك». وكان الهدف فى البداية كسر هذا الفرع اليابس ممثلاً فى «داخلية العادلى»، بدليل اختيار «25 يناير» -اليوم الذى تحتفل فيه الشرطة بعيدها السنوى منذ عام 1951- «ساعة صفر». لكن شعبنا «العظيم الجميل المهاود» جعلها ساعة «صفر على الشمال»، وجعل من ثورته المباركة هدفاً ومغنماً: ليس فقط لخصوم مبارك التقليديين (الإخوان والذين معهم)، والنخبة التى «سمنت» و«ربربت» من فضلات موائده، وبعض شرائح الطبقة المتوسطة، وجحافل العاملين فى الجهاز الإدارى.. بل حتى لكلاب السكك ممن يشكلون -بقيمهم وسلوكياتهم ومستويات وعيهم وأنماطهم الأخلاقية- «جبهة» معادية لـ«فكرة الدولة».
ثالثاً: من هو «الشعب»؟. هل لدى سيادتك تعريف أو توصيف محدد لـ«الشعب»؟. هل تعرف أين يبدأ وينتهى؟. ومن الذى يمثله بالضبط: العبد الفقير «نجيب محفوظ»، أم «الإله نخنوخ العظيم»؟. من الفاسد: الشعب أم النظام، الجذر أم الفرع، الفطرة أم «النفس وما سواها»؟. وإلى أى قولٍ نحتكم: إلى «لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».. أم إلى «السلطة المطلقة مفسدة مطلقة»؟.
إذا سألتنى سأقول إننى لا أصدق أن شعب الـ«18 يوماً» -الشعب الذى كان يشبه فسيفساء جميلة تغطى ميدان التحرير- هو الشعب نفسه الذى ما إن رأى ناراً وشم رائحة لحمٍ يُشوَى.. حتى هرول كقطيع ثيران، وتحول بين عشية وضحاها إلى خليط من بلطجية السياسة وأشباه المثقفين وتجار الدين والبخور و«عذاب القبر»، والآكلين على كل الموائد، والباحثين عن مصالح تافهة وصغيرة. إذا سألتنى سأقول إننى لم أعد أثق فى هذا الشعب ولا أستطيع أن أراهن عليه لأننى لا أفهم دوافعه: لا وهو خانع ولا عندما يثور، وأرى أنه لا يستحق كل هذا التقديس، بل أتعجب من إصرار النخبة على تحويل هذا الكائن الغامض، المتوحش، المنفلت، إلى «مطلق».. إلى «جبلاوى» حقيقى لا ينبغى لأحد أن يكفر بمشيئته أو يعبث فى دولاب أسراره.
إذا سألتنى سأقول إن «الشعب» كان وسيظل «ركوبة» الحاكم و«بيزنس» النخبة و«عدو» نفسه. وإذا سألت الشعب نفسه بعد ست سنوات على «ثورته الميمونة» سيقولها نادماً، مطأطأ الرأس: «أنا اللى استاهل».