سينما «القارة السمراء» تفرض أفلامها على المهرجانات العالمية
مشهد من فيلم «عازف الكمان»
ظهرت السينما الأفريقية فى ستينات القرن الماضى بعد التحرر من الاستعمار، وتميزت بعبق التاريخ واحتفاظها بأصالتها التى جعلتها تصل للعالمية سريعاً، وتحصد جوائز من «كان» و«فينيسيا»، لمخرجين مثل عبدالرحمن سيساكو، وسليمان سيسيه، وهايلى جريما وغيرهم، رغم أنها لم تُقم بنيات تحتية للصناعة، ولكنها خرجت للوجود بحكم ضرورة التعبير عن لحظتها التاريخية، وكان لمصر الفضل فى وصول الفيلم السينمائى لعمق القارة من خلال القوافل التى كان يرسلها الرئيس جمال عبدالناصر، وتقلص دورها بعد حكم مبارك، إلى أن انتهى تماماً حتى جاء مهرجان الأقصر لإحيائه مرة أخرى.
يقول الناقد فاروق عبدالخالق إن مصر كانت مقر الحركات التحررية فى أفريقيا، إلى أن جاءت فترة الاستقلال فى الستينات، لافتاً إلى أن جميع الدول التى نالت حريتها كانت من خلال الدعم المصرى، وترك الاستعمار صورته التقليدية، التى ظلت عشرات السنوات تعمق الإحساس بالدونية، وتصورنا على أننا بدائيون بلا حضارة، إلا أن أثبتت أفريقيا العكس تماماً من خلال السينما بأن لديها حضارة عميقة وجذوراً فى التاريخ، ولكن بطيئة الانتشار، ورغم كل الاستعمار والقهر الأوروبى لم تفقد أفريقيا أصالتها، ويضيف «عبدالخالق» لـ«الوطن»: «اعتباراً من العقد الثانى للقرن العشرين، أصبح لدينا السينما الروائية الطويلة سواء الصامتة أو الناطقة، وتشكلت ملامح السينما المصرية، لكن فى أفريقيا الأمر اختلف، فالسينما بدأت مع الاستعمار الفرنسى، وكان الرجل الأبيض هو السيد والأسود الخادم، وأصبحت أفريقيا مصدراً للمادة الخام للتصوير السينمائى من خلال لقطات غريبة وجديدة، لتمتعها بمناظر جميلة وسياحية تفتقدها أوروبا كالشلالات والأنهار، وكان دور الأفريقى فى الأعمال ثانوياً يظهر كالشيال أو الحرامى، وقال: «بعد اتجاه مجموعة من الأفارقة لباريس ممن أتيحت لهم فرصة الدراسة، أمثال عثمان صبين، وهايلى جريما وغيرهما، بدت فكرة الوطن والحنين تراودهم بعد وصولهم لمستوى ثقافة معين دفعهم لعمل أفلام تسجيلية وقصيرة، وبعد الاستقلال زاد طموحهم للتعبير عن الشخصية الأفريقية، وتميزت أفلامهم بمذاق خاص، واعتمدوا على العناصر السمراء غير المحترفة، واستخدموا اللهجات الأفريقية والرقص وسلوكيات المجتمع القبلى، وتخلى عنهم الأوروبيون فبدأوا يعتمدون على أنفسهم».
وأضاف: «تأثر عدد من الأفارقة بالسينما المصرية، أمثال عبدالرحمن سيساكو، وقال إن أول فيلم شاهده فى حياته كان مصرياً وهو فى الثامنة من عمره، عن طريق القوافل التى كان يرسلها عبدالناصر، ولا تزال السينما الأفريقية تعانى بشدة، فمعظم الدول ليس لديها دور عرض، عكس شمال أفريقيا، وتناولت السينما الأفريقية قضايا خطيرة، منها مأساة رواندا وبروندى، التى راح ضحيتها 800 ألف قتيل خلال شهرين فقط، بعد نشوب حرب أهلية بسبب سقوط طائرة رئيس الجمهورية آنذاك، ومن أبرز الأفلام «أوتيل رواندا»، وبجانب مناقشة مسألة الحريات»، وتابع: «بدأت تظهر مجموعة المهرجانات مثل فسباكو وقرطاج ومؤخراً الأقصر، وبعد السبعينات لم تعد أفريقيا فى مرمى الاهتمام المصرى وانسحبنا منها طواعية، وبالتالى تقلص نفوذنا لأسباب سياسية، وهناك مشروع قومى دعونا إليه كنقاد فلو طلبنا من الـ54 دولة أفريقية عن طريق الاتحاد الأفريقى، تخصيص دار عرض واحدة للفيلم الأفريقى، معنى ذلك أن كل دور ستعرض 52 أسبوعاً فى 54 دولة، بمعدل 2800 أسبوع لو افترضنا كل أسبوع يحقق إيراداً 10 آلاف يكون المجموع 2080 مليوناً».
وقال الناقد شريف عوض إن سينما جنوب الصحراء بدأت بعد حركات التحرر، وأصبح لها سينما خاصة بها، والرواد الأوائل سافروا للتعلم فى أوروبا وأمريكا اللاتينية، منهم إدريس أدراجوا، وقبل أن نهتم بالسينما الأفريقية فى مصر تم الاهتمام بها فى الخارج، وحصد مخرجوها جوائز من «كان» و«فينيسيا»، منهم سليمان سيسيه من مالى، وعبدالرحمن سيساكو من موريتانيا الذى تم تصنيفه على أنه أهم مخرج أسود فى «كان»، واختير عضواً للجنة تحكيمه فى مسابقة الأفلام القصيرة الدورة الماضية، وقدم أعمالاً عظيمة، كان أولها «3 آلاف سنة»، و«تيزا» وغيرهما»، وأضاف «عوض»: «أهم ممثلين لسينما القارة هم الذين تركوا أفريقيا وأقاموا فى أوروبا، أمثال ويل سميث، الذى رشح للأوسكار، ودينزل واشنطن الذى رشح للجائزة نفسها خمس مرات وفاز بها مرتين، وجيم هاينز الذى كان من ضمن المهاجرين غير الشرعيين، وقدم أعمالاً عديدة، وكان بطلاً أمام ليو دى ريكاردو، والممثلة لوبيتا من كينيا حصلت على أوسكار منذ 3 أعوام عن فيلم «12 سنة عبد»، وفيلمها الجديد إنتاج شركة ديزنى، ورغم محاولات كل من عمرو واكد وخالد النبوى، فى السينما العالمية إلا أنهما غير قادرين على الوصول للعالمية بسبب وجودهما فى مصر، فمن يريد الوصول لا بد أن يكون مثل عمر الشريف»، وتابع: «هناك مشاكل فى الإنتاج بحكم اقتصاديات بعض الدول، ما عدا جنوب أفريقيا التى تصدر مخرجين ونجوماً، وتستورد أفلاماً لتصويرها، والسنغال بها مخرجون عظماء، وفى السودان محاولات فردية، ومن الدول الفقيرة ناميبيا جزء منها صحراوى، لكن بها محاولات للإنتاج بجهود ذاتية، وفيلم «توم كروز» الذى سيعرض هذا العام تم تصويره فى صحرائها رغم أنه عن مومياء مصرية، وهناك دول ليس بها صناعة كبيرة مثل رواندا وبروندى، وتوجو، ودولة أفريقيا الوسطى، وفى نيجيريا هناك سوق كبيرة للأفلام، ولكن معاهدها مستواها متدنٍ، وفى شمال أفريقيا كانت الريادة لمصر لفترة لكن الأعمال التجارية هى الغالبة حالياً.
وقال المخرج سعد هنداوى إنه تعرف على السينما الأفريقية من خلال المشاركة فى فعاليات مجموعة كبيرة من المهرجانات المتخصصة، كان أولها مهرجان ميلانو للسينما الأفريقية فى إيطاليا، عندما شارك بفيلم قصير فى فعاليات المهرجان، وأضاف: «شاهدت هناك الاحتفاء بالسينما الأفريقية، فهناك عدد كبير من المهرجانات المتخصصة فى هذا النوع من السينما فى أوروبا، وهناك بلاد بها أكثر من مدينة تقيم مهرجاناً سينمائياً، وكانت المفاجأة بالنسبة لى عندما وجدت مهرجاناً للسينما الأفريقية فى نيبال جنوب آسيا، فالسينما حققت انتشاراً كبيراً فى مناطق جغرافية متنوعة، خاصة أن نيجيريا تجاوزت الهند فى عدد الأفلام المنتجة سنوياً، من الناحية العددية بغض النظر عن مستوى الأفلام».
ويرى المخرج أحمد ماهر أن أفريقيا لديها صناعة سينما مهمة، إضافة إلى مخرجين كبار موجودين فى المحافل السينمائية العالمية، قائلاً: «من أهم المخرجين الأفارقة محمد صالح هارون من تشاد، الذى شارك فى فعاليات مهرجان كان بفيلم «رجل يصرخ»، وعلى الجانب الآخر أفريقيا لديها مجموعة متنوعة من المهرجانات، منها مهرجان «واجادوجو» فى بوركينا فاسو، حيث يعد أكبر مهرجان من حيث عدد الحضور، وتقام فعاليات المهرجان فى الاستاد، فضلاً عن المهرجانات الأفريقية خارج القارة، منها ميلانو للسينما الأفريقية وآخر فى هولندا، حيث حققت أفريقيا انتشاراً كبيراً فى الدول الأوروبية»، وفيما يتعلق بالمشاركة المصرية فى المهرجانات الأفريقية، قال: «السينما المصرية لا تسعى للوجود فى المهرجانات الأفريقية، ففى أثناء رئاستى للجنة تحكيم مهرجان ميلانو للسينما الأفريقية والآسيوية أكثر من مرة وجدت مجموعة من الأفلام المصرية التى توجد بشكل فردى، ولكن نادرة هى المشاركة فى المهرجانات الأفريقية فى القارة مقابل الوجود فى مهرجانات مثل قرطاج السينمائى، حيث يتم التعامل معه باعتباره مهرجاناً عربياً وليس أفريقياً».