حكايات من دفتر «السد».. «تركى»: العمل كان أشبه بساحة حرب .. و«عز»: «عبدالناصر» شارك العمال
منطقة السد العالى شرق شاهدة على بناء أعظم البناءات الحديثة فى الفن الهندسى والمعمارى
فى 15 يناير 1971 شيد المصريون واحداً من أعظم البناءات الحديثة فى الفن الهندسى والمعمارى عكس قوة وتحدى الشعب الذى روّض النيل والجبال والصخور لبناء «السد العالى»، لحماية الأراضى من الفيضانات، حيث أصر المصريون على الاستفادة من كميات المياه الفائضة، فكانت فكرة بناء السد كفيلة بتحقيق طموحاتهم قيادة وشعباً، ليغنى بعدها عبدالحليم حافظ «حكاية شعب»، فى 1960، ويؤرخ للكفاح المصرى عبر أغنيته الشهيرة «الحكاية مش حكاية السد.. حكاية الكفاح اللى ورا السد».
«بركات»: توثيق ذكريات عمال السد فى فيديو لتكون فخراً لأحفادهم.. ومسئول سابق: السد مؤمّن ويدار بتقنية حديثة تفوق إمكانيات المحطات العالمية
«تركى محمد حسنين»، 70 عاماً، جلس على كرسيه تحت أشعة الشمس بمنطقة «السد العالى شرق» على بعد أمتار قليلة من جسم السد العالى جنوب مدينة أسوان، يتأمل هذا الصرح الضخم الذى ساهم فى بنائه، قائلاً: «والله لو طلبوا مننا إننا نبنى سد عالى جديد هنبنيه واحنا فى السن ده، محدش يعرف إحنا بنحب بلدنا إزاى، مصر هى صاحبة الفضل علينا كلنا، ومشروع السد العالى هو الخير كله، حكايتى مع السد بدأت تحديداً فى شهر ديسمبر عام 1963 وكان سنى 17 سنة، واشتغلت عامل مع مقاول لنقل الحديد للأنفاق، وكنت أعمل منذ الفجر حتى الساعة 2 ظهراً.. مفيش تهاون والغلطة بموتة، كان الشغل أشبه بساحة حرب، وفى بعض الأوقات كنا بنشيل الموتى والمصابين، اللى بيقع عليه حجر أو يتفجر فيه لغم، وكنا نعتبره شهيد فى أرض العمل من أجل الوطن، وكنا بندوس على الدماء ويتساقط العرق على الجبين ونكمل اليوم بعد اليوم نسابق الزمن ونتحدى الصخور الصلبة».
وأشار إلى أنه تم تعيينه فى قسم التركيبات بالسد العالى وكان راتبه الشهرى 3 جنيهات، فعاد إلى بلده بمركز أبوتشت فى قنا للزواج، ثم استقر فى أسوان بجوار عمله وأنجب 4 أولاد وبنتين، وتابع: «العيشة كانت حلوة ومبسوطين، وما زلت أعيش فى أسوان اللى ارتبطت بها كثيراً، وأصبحت بلدى وقررت إنى أفضل ساكن بالقرب من السد العالى عشان أعيش وأموت بجوار السد العالى، ومن أهم ذكرياتى فى السد العالى إنه فى بداية شغلى فى الأنفاق كان فيه باشا لابس بنطلون وقميص ومعاه مجموعة من المهندسين بيمروا علينا وعلى العمل فى عز الضهر وماعرفناش هو مين فى البداية، لكن عسكرى مصرى أعطى له التحية العسكرية وقال له: اسكت وكمّل شغلك، وعرفنا بعد كده إنه الزعيم جمال عبدالناصر، كان واحد مننا بيلف علينا وبيتابع المشروع بنفسه وكمان كل قيادات الدولة فى الوقت ده».
وأمام جمعية بناة السد العالى بمنطقة السد العالى شرق، روى عز عبدالسلام عبدالعاطى، 73 عاماً، ذكرياته فى بناء السد العالى معرباً عن فخره واعتزازه بمشاركته فى بناء هذا الصرح العملاق الذى أصبح مصدر فخر لكل المصريين، لافتاً إلى أنه عمل كمساعد ميكانيكى عام 62 وكان عمره 18 عاماً، وتلخصت مهمته فى نقل العمال ومتابعتهم، مضيفاً «فى وردية واحدة أتذكر إن حوالى 85 عامل لقوا مصرعهم فى أحد الأنفاق بسبب لغم انفجر، كنا بنعيش وكأننا فى حرب حقيقية، الغلطة تؤدى للوفاة، ومع ذلك كنا بنحب الشغل ومانقدرش نتأخر، ومش هننسى افتتاح السد العالى وكمان تحويل مجرى النيل وانطلاق الحمام فى السماء، كانت الفرحة مختلطة بالدموع مع انطلاق المياه من جسم السد العالى وتوليد الكهرباء».
وناشد المصريين الصبر والالتفاف حول الرئيس السيسى حتى تعبر البلاد محنتها، مؤكداً أن «الجيش المصرى حافظ على الوطن وعمّر أراضيه ويسعى إلى تحقيق طموحات الشباب ويجب على الجميع عدم الانصياع للمؤامرات والنظر إلى تاريخ القوات المسلحة ومواقفها المشرفة عبر التاريخ».
وقال مصطفى على بركات، رئيس جمعية بناة السد العالى بأسوان، إن عدد المشتركين بالجمعية 150 عضواً من بناة السد وأبنائهم من المقيمين بأسوان، لافتاً إلى أن الجمعية حريصة على لم شمل أعضائها، فضلاً عن تسجيل وتوثيق ذكرياتهم وخبراتهم فى مقاطع فيديو حتى تكون ذكرى خالدة لهم ولأبنائهم وأحفادهم وللمصريين جميعاً، مشيراً إلى أنهم يسعون إلى تنظيم رحلات داخلية وخارجية وحج وعمرة لأعضاء الجمعية من بناة السد العالى الذين يستحقون كل تقدير واحترام.
من جانبه أكد المهندس محمد فرج الله، الرئيس الأسبق لشركة المحطات المائية بالسد العالى، أن رجال القوات المسلحة ورجال الشرطة يقومون بدورهم الكامل فى تأمين السد وأنه فى أيد أمينة، لافتاً إلى أن إنتاجه الكهربائى يدار بتقنية ونظام عالمى حديث يفوق بعض المحطات الكهربائية الكبرى فى العالم، مضيفاً أنه «فى شهر أكتوبر عام 1967 انطلقت الشرارة الأولى من محطة كهرباء السد العالى بتكنولوجيا ومعدات روسية، وهناك تطوير وصيانة مستمرة، وعمر السد العالى الافتراضى يصل لأكثر من 40 عاماً مقبلة ولا يحتاج لأى من أعمال التطوير والتحديث حالياً»، مشيراً إلى أن فائض الكهرباء خلال الأيام الماضية التى تم الإعلان عنها تجاوز 6 آلاف ميجاوات ويزداد هذا الفائض من الكهرباء فى فصل الشتاء، الأمر الذى يساهم فى إنشاء مجتمعات عمرانية ومصانع جديدة، إلى جانب الاعتماد على مصادر الطاقة الأخرى مثل الطاقة الشمسية على غرار مشروع بنبان غرب مركز دراو بأسوان الذى سيكون بمثابة «سد عالى جديد».