عبدالحليم قنديل في مقال بـ"الأخبار": "أكثر ما يفتقده المصريون هو معنى العدالة"
عبدالحليم قنديل
قال الكاتب الصحفي عبدالحليم قنديل في مقاله له نشرتها جريدة "الأخبار" اليوم تحت عنوان "العدالة أولاً" إنه "أكثر ما يفتقده المصريون هو معني العدالة، وأكثر ما يكرهونه هو سيادة وتوحش الظلم الاجتماعي بالذات، فالغالبية الساحقة من المصريين صارت تحت خط الفقر المدقع والنسبي، والطبقات الوسطي تنزلق بسرعة مجنونة إلي قاع البؤس، وتكاد لا تسلم سوي (فرقة ناجية) طافية، لا تمثل سوي عشرة بالمئة من الشعب المصري، أعلاها طبقة الواحد بالمئة التي تحتكر نصف إجمالي الثروة العامة بالتمام والكمال".
وأضاف قنديل: "وقد يقولون لك إن المحنة تنفرج، وأن أحوال الاقتصاد المأزوم سائرة إلي تحسن، وأن سعر صرف الدولار عاد إلي معدلات السوق السوداء قبل قرار التعويم، وأن البنوك تجتذب مليارات الدولارات، وأن احتياطي النقد الأجنبي يزيد لدي البنك المركزي، وأن البلد لايزال قادرا علي سداد أقساط وفوائد الديون الخارجية المتزايدة بصورة فلكية، وأن اقتصاد الحكومة يبتعد عن شفا الإفلاس، وقد يكون بعض ذلك صحيحا، وإن كان عجز الموازنة يتفاقم ويتضاعف باطراد، برغم إجراءات خفض الدعم التي ألهبت حياة الفقراء والطبقات الوسطي، وجعلت بطولة البقاء علي قيد الحياة مستحيلة أكثر فأكثر، وأحرقت غالبية الناس في أفران الغلاء، فأسعار السلع الأساسية تزيد كل يوم، وربما كل ساعة، والجنيه المصري أصبح يساوي «بصلة» بالمعني الحرفي، والذين يعملون تجمدت أجورهم، ونزلت قيمتها السوقية إلي النصف، فما بالك بالذين لا يجدون فرص عمل من أصله، وتطحنهم مآسي الفقر والبطالة والمرض، وكل هؤلاء لا يجدون عزاء في التحسن المزعوم لأرقام اقتصاد الحكومة، ولا تلوح لهم انفراجة تعنيهم في الأفق المرئي، حتي مع زيادة الإيرادات المنتظرة مع بدء تصدير اكتشافات الغاز المهولة، وكل ما ينتظرونه ويتخوفون منه هو زيادة الأعباء، وإثقال حياتهم المنكوبة بمزيد من ارتفاع أسعار وفواتير الدواء والمياه والكهرباء والمترو والنقل العام، والجولات الجديدة المقررة من رفع أسعار البنزين والسولار والمازوت، والأزمات التبادلية في القمح والسكر والزيت والأرز، وهو ما يؤدي إلي احتقان اجتماعي متصاعد، تفيض به خزانات الغضب في نفوس الناس، وتنكمش معه فوائض الصبر، والذي تحسبه الحكومة صمت الرضا بأقدار التعاسة".
وأوضح: "وقد لا يصح إنكار وجود إنجازات كبرى، تتم غالبا بإشراف الجيش، وتظهر في الطرق والأنفاق والمواني والمدن ومحطات الطاقة الجديدة، وينتمي معظمها إلي معني البنية الأساسية، ومما لا تظهر عوائده سريعا، وقد يلعب دورا في تنمية الاستثمارات، لكنه لا يؤدي إلي تنمية حقيقية عادلة بالضرورة، فثمة ميل هائل إلي الإنجاز، لكنه ليس مشفوعا بانحياز مكافئ إلي غالبية المصريين العظمي من الفقراء والطبقات الوسطي، ولا إلي بناء اقتصاد جديد ذي طابع إنتاجي في الأساس، يعيد تصنيع البلد، ويوفر فرص عمل دائمة منتجة لعشرات الملايين من العاطلين الحاليين والمحتملين، ويوفر سلعا مصنعة تحل محل الواردات، وتضاعف طاقة التصدير مرات، فلا حل لأزمة الاقتصاد بغير التصنيع الشامل، وبغير الزراعة الحديثة التي تحولت بدورها إلي صناعة، وتلك مهمة لن ينهض بها بارونات «القطاع الماص» الذي نسميه خطأ بالقطاع الخاص، ولا هم لهم سوي طلب الإعفاءات والمزايا، والضغط الداهس علي صناع القرار، وإجبارهم علي إلغاء أي اتجاه لفرض العدالة الضريبية".
واختتم: "على نحو ما جرى في وقف الضريبة على الأرباح الرأسمالية في البورصة، وإلغاء الضريبة الاجتماعية، وتخويف الحكم من تقرير الضريبة التصاعدية، فهم لا يريدون سوي التجبر علي الفقراء والطبقات الوسطي، وتحميلهم وحدهم بفواتير الخراب الاقتصادي، ثم لا يهمهم بعدها أن يحترق البلد، فهم يهربون ما اكتنزوه من أموال إلي بنوك الخارج بانتظام، ويستعدون للهرب وقت الخطر علي أول طائرة خاصة".