المنيا.. معقل «الجماعة الإسلامية» ومركز تصدير التطرف من الصعيد إلى أنحاء مصر
مؤتمر سابق لإحدى الجماعات الإسلامية بمحافظة المنيا «صورة أرشيفية»
فى مطلع السبعينات كان يميل إلى الفكر اليسارى المعارض للنظام الحاكم وقتها، وكان عضواً مغموراً فى اليسار، المعروف بالشيوعية آنذاك، وعقب قيام «السادات» فى أواخر السبعينات بإطلاق الحركات الإسلامية بالجامعات والمدارس لمجابهة الفكر الشيوعى بعد توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» مع إسرائيل، التحق عاصم عبدالماجد بالقيادات الوسطى للجماعة الإسلامية، والتنظيم الجهادى، عندما كان طالباً فى كلية الهندسة بجامعة أسيوط، حتى قاد أول تنظيم مسلح لاقتحام مديرية أمن أسيوط فى سبتمبر عام 1980، الذى راح ضحيته 118 شرطياً داخل المديرية، وأصيب فى ذات العمل الإرهابى، ومن يومها تخمرت فكرة الدم والعنف فى ذهنه، حتى ظهر بقوة فى مشهد اغتيال «السادات» فى أكتوبر من عام 1981 وحُكم عليه بالسجن المشدد 15 عاماً، كونه المتهم التاسع فى القضية، وداخل السجن بدأ يبث سمومه الدموية التحريضية لإقامة جناح إسلامى مسلح ضد الدولة والنظام، ما عُرف بجماعة التكفير والهجرة، وفى منتصف التسعينات خرج من السجن، ليقود ما عُرف بإرهاب التسعينات فى صعيد مصر، الذى طال العديد من ضباط الشرطة والأفواج السياحية، حتى تم إلقاء القبض عليه مره أخرى وحُكم عليه بالسجن، حتى أُطلق سراحه فى مراجعات وقف العنف مع النظام ما بعد عام 1997.
ولد عاصم عبدالماجد فى قرية دير عطية، بمركز المنيا، فى عام 1958، وهى قرية فقيرة، معظم سكانها من الفلاحين، وله شقيق واحد يدعى «شريف»، أصغر منه سناً، وقضى «عبدالماجد» طفولة بائسة فى القرية بين أفراد أسرته الفقيرة، وكان عنيف الطباع وحاداً فى التعامل مع الآخرين، ويذهب بين الحين والآخر لتلقى دروسه فى مسجد يحمل اسم العائلة «عبدالماجد» بذات القرية، وتتلمذ على يد مشايخ متشددين، حتى ترك دير عطية مع أسرته فى عام 1969 متجهاً إلى مدينة المنيا حيث كان والده يعمل مديراً لمدرسة إعدادى هناك، وأقام مع أسرته بالقرب من كنيسة العذراء فى حى جنوب مدينة المنيا، معقل التيارات الإسلامية حتى الآن، وذات الكنيسة تعرضت لحادث إرهابى فى عام 2015 بعد عزل «مرسى» حين هاجمها مسلحون ينتمون إلى تيارات متشددة وقتلوا اثنين من أفراد الشرطة، وكان «عبدالماجد» يزور القرية بين الحين والآخر، حتى تخرج فى كلية الهندسة، وعندما دخل السجن درس التجارة حتى حصل على درجة البكالوريوس من جامعة أسيوط، ونال درجة الماجستير فى إدارة الأعمال، وله ولدان هما «عبدالماجد وعمر».
«كامب ديفيد» كانت نقطة تحول أساسية فى تاريخ «عبدالماجد» الدموى، فبينما كان يؤمن فى ريعان صباه بأفكار «ستالين ولينين وجورباتشوف» اليسارية الشيوعية، أطلق «السادات» العنان للحركات الإسلامية بالجامعات والمدارس لمجابهة الشيوعيين، ليلتحق بها «عبدالماجد» فى ريعان شبابه وقت أن كان طالباً فى كلية الهندسة بأسيوط، ثم تعرف على قيادات إسلامية، منها كرم زهدى، عمر عبدالرحمن، عبود الزمر، خالد الإسلامبولى، وغيرهم، وشاركهم فى تأسيس الجماعة الإسلامية فى مصر التى انتشرت بشكل خاص فى محافظات الصعيد، وبالتحديد أسيوط والمنيا وسوهاج، ثم شارك مجلس شورى الجماعة فى كل قراراته، ومنها أعمال العنف من قبل عام 1981 حتى نهاية الصراع بمبادرة وقف العنف ضد الدولة فى عام 1997، المعروفة بالمراجعات الإسلامية مع النظام.
نجح «عبدالماجد» فى تنظيم عدة عمليات مسلحة، بعد تأسيس الجماعة الإسلامية، وظل فى المعتقل لسنوات طويلة حتى قبيل قيام ثورة 25 يناير، وكان من بين الهاربين فى اقتحام وفتح السجون، وبعد تنامى دور تيار الإسلام السياسى، شارك فى تأسيس حزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، ثم تقلد منصب أمين صندوق فى أول انتخابات جرت لمجلس شورى الجماعة الإسلامية بشكل علنى فى عام 2012.
ما أن صعد الرئيس المعزول محمد مرسى لسدة الحكم فى يونيو 2013، بدأ نجم «عبدالماجد» فى الصعود فى ربوع محافظات مصر بشكل عام والصعيد بشكل خاص، ليدعم ويحقق أهداف الحزب الإسلامى الجديد الذى أصبح لسان حال الجماعة الإسلامية، وأصبح يمارس العمل السياسى تحت مظلة حزبية، واتبع هذا النهج ليكون أقرب المقربين لجماعة الإخوان والداعمين لها وعلى رأسهم «مرسى»، ولكن سرعان ما عاد للفكر الدموى والتكفيرى ليرتدى «عبدالماجد» عباءة الإرهاب مرة أخرى، متهماً أجهزة الدولة بأنها تقف فى وجه «مرسى» وتحاول إسقاطه حتى إنه هدد بنشر الشرطة الإسلامية لتحل محل الداخلية، ثم اصطدم بقادة تيار الإسلام السياسى الذين دعموا «مرسى» فى بداية الحكم وانتقدوا سياساته الفاشلة، وكان بينهم قيادات بالجبهة السلفية مثل ياسر برهامى وقيادات بحزبى النور والوطن، وعندما بدأ الحشد لتظاهرات 30 يونيو، وانتشرت حركة تمرد فى الشوارع ظهر «عبدالماجد» فى أكبر مؤتمر حاشد عُرف بالحركة الإسلامية بمدينة المنيا، وأطلق تصريحات نارية قائلاً: «قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار، إنى أرى رؤوساً أينعت وحان قطافها»، متوعداً المعارضين لـ«مرسى» بالقتل والتشريد، وبعد نجاح ثورة 30 يونيو، هاجم الكنيسة وحرض ضد الأقباط وكل من عارض «مرسى» متوعداً بالانتقام والثأر وعودة الشرعية المزعومة للمعزول، ثم دعم بقوة اعتصامى رابعة والنهضة وشارك فى تأسيس ما يسمى بالتحالف الوطنى لدعم الشرعية الداعم لـ«مرسى»، والذى كان يضم أحزاباً وتيارات إسلامية متنوعة، باستثناء حزب النور والجبهة السلفية التى كانت وقتها فى خلاف مع كل التيارات الداعمة لـ«مرسى»، وبعد نجاح النظام فى فض اعتصامات أنصار المعزول، لم يجد «عبدالماجد» ملاذاً آمناً سوى قرية دلجا ليتحصن فيها، ليقود بداخلها اعتصاماً مسلحاً ظل لمدة 74 يوماً حتى اقتحمها الأمن، لتنتهى مسيرة «عبدالماجد» الدموية باللجوء لدولة قطر ليظهر بين الحين والآخر على شاشات الفضائيات يلوح بالعنف تارة، ويطلق تحريضات من شأنها إراقة الدماء فى الشارع المصرى تارة أخرى، وصدرت ضده أحكام غيابية بالإعدام والمؤبد فى قضايا غرفة عمليات رابعة وأحداث الاتحادية ومكتب الإرشاد.
اللواء أسامة متولى، مدير أمن المنيا الأسبق، كان من أبرز القيادات الأمنية التى تصدت وقضت على إرهاب «عبدالماجد»، الذى اشتعل فى المنيا عقب ثورة 30 يونيو، وقال «متولى» لـ«الوطن»: إن إرهاب «عبدالماجد» الغاشم انتهى فى شهر سبتمبر من عام 2013 بعد فض اعتصام دلجا، أكبر معقل إخوانى فى المحافظة حينذاك، مؤكداً أن «عبدالماجد» له تاريخ دموى وإرهابى معروف، وكان المحرك الأول لشرارة الأحداث الدامية والعنف والشغب التى تزامنت مع فض اعتصامى رابعة والنهضة، وكذا اعتصامات أخرى مسلحة شهدتها مناطق عدة مثل كرداسة، حيث حرض على استهداف رجال الشرطة، واقتحام وحرق الكنائس والأقسام والمنشآت العامة والحكومية والبنوك والتظاهر وقطع الطرق، وأضاف أن «عبدالماجد» كان موجوداً بالفعل فى المنيا وتم رصده فى قرية دلجا التى كان يسيطر عليها تنظيم الإخوان وقتها، وأعطى إشارة البدء فى اقتحام نقطة الشرطة وحرق كنائس ومنازل ومحال تجارية مملوكة لأقباط بدلجا، لكن نظراً لطبيعة القرية الجغرافية الصعبة والوعرة وقربها من الظهير الصحراوى الغربى والدروب والمدقات الجبلية، ووجود كميات هائلة من السلاح، تعذر القبض عليه واقتحام القرية فى بداية الأمر، حتى تم وضع خطة محكمة لتطهيرها من العناصر الإرهابية، وقبل اقتحام القرية كان «عبدالماجد» تمكن من الهرب، خاصة أنه كان دائم التنقل والتحرك فى الصحارى، بمساعدة عناصر الإخوان.