جدار ورا جدار : «جاردن سيتى» تحدثكم من تحت الحصار
كان الأب عبدالسلام عبدالهادى، يحمل ابنه معه من كرداسة، إلى مقر عمله فى جاردن سيتى، حيث يعمل فى بازار، يبيع القطع السياحية، فى المنطقة التى يغلب عليها الرقى، ويرتادها الأجانب، حيث تحاط بالفنادق الشهيرة والسفارات الكثيرة. كان الابن يلهو فى الشارع، يجرى بين الأشجار، ينظر إلى العابرين، يتجاذب معهم الضحكات، ويمر بين الطرقات، حيث يمتلك أبوه ثلاثة محلات فى المنطقة ذاتها. لم يعد الابن يجىء برفقة والده منذ شهر نوفمبر المنصرم، إذ أقيمت جدران عازلة أسمنتية حالت دون ممارسة الابن للعب، يقول عنها الأب عبدالسلام «قطعت عيشنا»، يحكى ذو الاثنين وأربعين عاماً، أنه يعمل فى المكان منذ حوالى عشر سنوات، كانت الحياة وقتذاك مستقرة وهادئة، لا صوت يعلو فوق صوت السكون، لم يكن عبدالسلام يسمع عن الجدران العازلة إلا فى إسرائيل، حينها كان يسب تلك الجدران التى تمنع أهل البلد من أرضهم. أول سمع لتلك اللفظة فى مصر كانت وقت أحداث محمد محمود، حين بُنى جدار عازل لحماية وزارة الداخلية، وحين بنى آخر لحماية السفارة الإسرائيلية، واستمر العزل ولم ينقطع، على حد تعبير صاحب المحلات الذى لم يتخيل يوماً أن تصل الجدران إلى جاردن سيتى. يقول إن اسم الحى بالإنجليزية، يشير للحدائق الغناء التى تغلب على المكان، لكنها حدائق طالها الذبول، وسرى فيها الموت، لينتشر الخراب، ويغلب على المنطقة عنوان واحد «الهجران».[SecondImage]
يقول وليد عبدالرازق، ذو السبعة وثلاثين عاماً، إنه موجود ويعمل مع زميله عبدالسلام منذ سبع سنوات، يسكن فى كرداسة، ويجىء بشكل يومى، يصف الرزق بالضيق آنياً، ضارباً مثلاً بزوجته التى لا يتمكن من جلب العلاج الخاص بها «لا يوجد أى حركة للبيع فى البازار إطلاقاً». ثلاثة بازارات هى المملوكة لعبدالسلام، أحاطتها الجدران العازلة ففرقت بينهم. الجدار العازل الأول فى ميدان سيمون بوليفار، حيث ينتصب التمثال لا يستطيع مد بصره للأفق، إذ يصطدم بالحجارة الثقيلة كبيرة الحجم، الجدار المتاخم لمدرسة على عبداللطيف، صنع أهالى المنطقة فجوة فى داخله، ليتمكنوا من العبور، لكن المدرسة، أصبحت وكراً للمخدرات والبلطجة. سور آخر فى الميدان، من ناحية السفارة الأمريكية. سبب بناء الجدران كان يوم الثامن والعشرين من نوفمبر من العام المنصرم، يتذكر وليد ذلك اليوم جيداً، حيث اشتعلت أحداث السفارة الأمريكية بسبب الفيلم المسىء للرسول، حيث بات يومين فى قسم قصر النيل، ليبلغ عن المسروقات التى أخذت أثناء الأحداث. يقول إنه لم يكن يتصور أن تصل أحداث العنف إلى فندق سميراميس وشبرد والسفارة الأمريكية. يقول إن المحلات كانت قوتها 12 فرداً، لكن الآن لا يعمل سوى ثلاثة فقط. المحلان الآخران الموجودان ناحية شبرد وبعده بشارع تم تطويقهما بحواجز أخرى. «الحواجز مبقاش ليها حصر، ووصلت لقصر العينى والمجمع العلمى». من المعاناة التى يكابدها عبدالسلام ورفيقه وليد أن عمال الديلفرى يرفضون القدوم إلى منطقتهم، ما أن ينطقون بالطلب متبوعاً بجاردن سيتى، حتى يكون الرفض ردهم، متعللين بالحواجز. يرى عبدالسلام، أن الحاجز لا يحل الأزمة الأمنية، بل يزيدها، يقول إن الحوار هو الحل الأمثل، ويجب أن يضعوا أصحاب المحلات والأهالى فى الحسبان، فالسفارات «على العين والراس، لكن إحنا صلب المكان».