"البركة في ولادنا".. أمهات صُمّ تحديّن القدر وذاكرّن لأبنائهن
الأمهات من الصم
حرمهنّ القدر من سماع أصوات تثلج نغماتها صدورهنّ، لم تنفعهنّ آذانهنّ الصماء في تلقي النصائح، التي اعتمدت عليها الأمهات في تربية أبنائهنّ، والاعتناء بهنّ أطفالا، كما أن القدر الضئيل من التعليم الذي تلقينه، لم يسعفهن لمراجعة دروس الأبناء. جروح غائرة في قلوب الأمهات اللاتي فقدن السمع، لكنهن نحينها جانبا حين وضعتهن الأقدار أمام مسؤوليتهن.
"كلمات متقطعة" و"إشارات متتالية"، اعتمدت الأمهات عليها في التواصل مع الأبناء، لتعويض ما أصابهن من صمم، وساعدهن الأهل والجيران من أجل حلم وحيد، أن يروا أبنائهنّ في أرفع الأماكن يومًا.
"أم البنات".. اللقب الذي تعشقه "منال"، وتتفاخر بابنتيها، 14 عاما و10 أعوام، لكن على قدر الحب كانت المسؤولية، في أن تتواصل الأم الصماء مع الفتاتين، ومكَّنتها والدتها وعمتها من تربية الصغيرتين بمرافقتهما الدائمة لها.
بـ"لغة الشفايف والإشارة"، استطاعت "منال" التواصل مع فتاتيها، والنقاش معهما، بعكس الوالد الذي يعاني من نفس الإعاقة، لكنه يلجأ إلى الصراخ في وجوههن عند الغضب، فاحتوت "منال" الطفلتين بالتعامل الهادئ والصدر الرحب، الذي يستقبل كل ما يفعلانه ثم يوجههن إلى الطريق الصحيح، فمنذ أن اكتشفت الصغيرتان في عمر الثالثة، أن والدتهما "صماء"، صارت صديقتهما، حين وجدا أن التواصل بلغة الشفايف كاف للحديث مع والدتهما.
"المذاكرة" لم تكن عائقا أمام "منال"، لمتابعة دروس طفلتيها، فهي تجيد القراء والكتابة، لالتحاقها بمدرسة للصم في مصر الجديدة بالمرحلة الابتدائية، إلى جانب مساعدة والدتها التي عملت على أن تتقن ابنتها اللغتين العربية والإنجليزية، حتى أنها كانت الأولى على مدرستها في المرحلة الثانوية، التي التحقت فيها بقسم "التريكو"، لذا كان سهلا عليها قراءة أسئلة مناهج ابنتيها، ومتابعة الإجابات والاستذكار، والتواصل مع الفتاتين بلغتي الشفاه والإشارة.
تريد منال أن تلتحق ابنتها الكبرى بكلية الهندسة، بينما تقول الصغيرة إنها ترغب في الالتحاق بالكلية الحربية، وتخبرهما الأم بأن "مجموع ثانوي" هو ما سيكلل تعبها ومجهودها وأحلامهما بالنجاح.
نموذج آخر من الأمهات أصحاب الإعاقة السمعية، تجسد في ندى محمد، وهي سيدة أربعينية، تقول إن القدر وضعها أمام مسؤوليتها في تربية الأبناء، تقول: "بدأت رحلتي مع ابني الكبير محمد وانا لوحدي، أبويا وأمي كانوا في دبي، ومكانش معايا غير جارتي اللي كانت بتساعدني في كل حاجة، وكانت بتعرفني أعمل إيه لو ابني جاله سخونة أو إسهال، وكانت متكلمة جدا لدرجة إنه اتعلم الكلام منها".
صعوبة أخرى واجهتها "ندى" مع ولديها، كان بطلها "المذاكرة"، فهي لم تنل قدرًا وفيرًا من التعليم يؤهلها لاستذكار الدروس مع ولديها، فعكفت على اصطحاب كل منهما إلى مدرسته، ومعرفة مستوى استيعابهما لموادهما الدراسية من المُدرسين، تقول: "ابني الكبير كان عنده مشكلة في الإنجليزي، وجبتله مُدرسة تفهمه كل حاجة في البيت وتسد أي نقص عنده في المادة، لكن ابني الصغير متعبنيش في المذاكرة، وكان دايما بيساعدني في المذاكرة لأخوه".