خناقات وخلافات ومفيش حوارات.. والنتيجة: «الشباب متغرب جوّه بيته»
عدم قدرة الأهالى على التواصل مع الشباب يشعرهم بالغربة
الغربة شعور قاسٍ، هذا ما يتفق عليه كثير من الشباب ممن اضطرتهم الظروف لمغادرة بلدهم للعمل أو الدراسة، ولكن هناك نوعاً آخر من الغربة أشد قسوة، وهى الغربة التى يشعر بها بعض الشباب داخل منازلهم رغم كونهم محاطين بأفراد عائلاتهم، تلك الغربة التى تتمثل فى ابتعاد الأب والأم عن تفاصيل حياة أبنائهما وانشغالهما بأمور حياتية أخرى، وفى بعض الأحيان تكون غربة سببها عدم مقدرة أحد الوالدين أو كليهما على الانسجام مع أبنائهما وفهم متطلباتهم والاعتياد على أساليب حياتهم.
معظم الشباب يشعرون بالغربة داخل منازلهم بسبب انشغال عائلاتهم طيلة الوقت ويلجأون إلى أصدقائهم لتعويض مشاعر الدفء والاهتمام
منذ فارقت والدة «محمود محمدى» وهو يشعر وكأن منزله أصبح منزلاً آخر غير الذى اعتاده فى السابق، يقول محمود «أصبحت أتعامل وكأننى أقيم فى فندق أذهب إليه فى وقت النوم ثم أستيقظ لأذهب لعملى وبعد الانتهاء منه أذهب لرؤية أصدقائى ثم أعود لأنام وهكذا دواليك، فوالدتى كانت هى الوحيدة التى تستمع لى وتسأل عنى دوماً وكنا على توافق وتفاهم طيلة الوقت، وهو عكس الوضع بينى وبين والدى فنحن دائماً مختلفين فى الآراء، بل إنه كثيراً ما يصر على رأيه ولا يتقبل الجدال أو النقاش، لذا فإننى أفضل البقاء بين أصدقائى لأننى أجد لى معهم لغة حوار مشتركة، هذا إلى جانب أننى أكون بينهم على طبيعتى ولا أتحفظ فى أى من تصرفاتى»، وينهى حديثه قائلاً «خارج المنزل أشعر بمعنى الحرية والانطلاق، أما داخله فأشعر بقدر كبير من الوحدة».
نسرين عطالله تتحدث عن إحساس الغربة داخل المنزل قائلة «لا أشعر أننى أجد الاهتمام الكافى بى من عائلتى بسبب انشغالاتهم طيلة الوقت، لكن الأمر مختلف تماماً مع أصدقائى فنحن نهتم ببعضنا البعض حتى فيما يخص أدق تفاصيل حياتنا، هذا إضافة إلى أننى لا أكون مضطرة إلى استخدام أسلوب معين فى الحوار على عكس ما هو الحال فى منزلى، لذا فإننى أشعر أننى حرة بشكل أكبر بين أصدقائى. تضيف «نسرين»: «أثناء وجودى بالمنزل أشعر وكأنى دمية تتحرك وتتكلم وتفكر كما يجب أن يروها، دائماً هناك اختلاف بيننا فى الآراء ووجهات النظر، وكثيراً ما أسأل نفسى لماذا لا يكتفون بغرس المفاهيم والنصائح الأساسية للتعامل مع الحياة ثم يتركوننى أخوض تجربة الحياة بكل ما فيها وأتعلم منها بنفسى؟».
وتتابع «إحساسى بالغربة بين أسرتى يزيد عندما يصرون على معاملتى على أنى طفلة ولا يكفون عن إصدار التعليمات طيلة الوقت».
فاطمة محمد، طالبة جامعية تقول «لا أبالغ فى تشبيهى للبيت بأنه بالنسبة لى فندق للنوم، فأنا أغلب يومى أقضيه فى الجامعة وعلى الرغم من أن محاضراتى تنتهى مبكراً فى بعض الأيام إلا أننى أفضل البقاء فى الجامعة مع أصدقائى لنتبادل الأحاديث ونتناول الغداء معاً، وبمجرد عودتى للمنزل أبدأ فى التجهيزات لليوم التالى بتحضير كتبى وملابسى ثم أذهب إلى غرفتى وأخلد للنوم».
تضيف «فاطمة»: «فى المنزل أشعر بالضيق والملل خاصة بسبب المشاجرات التى تقع بينى وبين إخوتى أحياناً، فوجدت نفسى فى النهاية أميل لأن تكون لى حياتى الخاصة التى أكرسها للدراسة ولأصدقائى».
يرى «عمرو حمدى» أن الغربة تنقسم إلى نوعين: غربة فكرية وغربة نفسية، ويقول الشاب العشرينى «الغربة الفكرية لا تسبب بالضرورة غربة نفسية، ولكن دائماً يحدث العكس بأن تؤثر الغربة النفسية على الشخص وتسبب له غربة فكرية، وأغلب شباب الجيل الحالى مشوهون فكرياً ووجدانياً، وذلك لأنهم يعانون من إهمال الأب والأم حتى وإن كانت كل احتياجاتهم المادية مجابة، فهم محرومون من الاحتياجات المعنوية وهى الأهم، والكثير منهم عند البوح بمشاعره أو إبداء رأيه تجاه أى شىء يلقى هجوماً عنيفاً واعتراضات وتقليل من مشاعره وآرائه وهذا نتيجة لوجود بعد فكرى بين الطرفين، وفى حالات أخرى يترك الآباء لأبنائهم كل الأمور بحرية مطلقة لدرجة تصل إلى الإهمال، وبالتأكيد بدون وضع قواعد أساسية يتعامل الأبناء وفقاً لها، وفى الحالتين يشعر الشاب بحالة من الغربة تجعله يبحث عن الدفء خارج المنزل، وهذا ما يشكل خطراً كبيراً ويتسبب فى كثير من المشاكل».