فريد الديب.. المحامى يعظ
سوف يقف التاريخ طويلا أمامه، صار مضربا للأمثال وحكاية تلوكها ألسنة صغار المحامين، «فريد» فى تحولاته، و«ديب» فى استغلاله للفرص «الميتة» وتحويلها إلى صيد ثمين، يصنف علماء الأحياء الذئب كحيوان مفترس ينحدر من الفصيلة الكلبية، وصفه الجاحظ فى كتابه «الحيوان» بأنه كلب البَر الوحشىُّ، الذى من خُلُقِه الاحتيال والنفورُ والغدر.
لا سقف لأحلامه، ولا مبدأ يردعه ويحد من تطلعاته وقت تجنح به. ساعة اتُّهم بأنه محامى «المشبوهين» قال بفم يملأه الفخر إنه لا يجد غضاضة فى ذلك، شبَّه دفاعه عن الجاسوس الإسرائيلى المدان عزام عزام بالدفاع عن المناضلة الجزائرية جميلة بوحريد، الأفوكاتو الحافظ للقرآن فى أحد أحياء مصر الشعبية، اعتبر أن ترشيح السفارة الإسرائيلية له فى هذه القضية «مهمة شريفة مقدسة»، وأن اختصام وطنه وتفنيد الأدلة والاحتيال عليها للخروج بغنيمة الأتعاب هى أصول المهنة «فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ».
لم يكن ليترك فرصة الدفاع عن مبارك، حتى وإن اختصمه أغلب المصريين، يدافع عنه ببسالة، يفديه برقبته، يُسقط عنه التهم فى السر والعلن، يزيحها عن كتفيه ولا يعبأ على من تسقط، موكّله لم يقتل ولم يسرق ولم يتلق رشاوى، وإن حدث فقد انقضى أجل التقاضى، وبالتالى هو برىء نزيه عفيف اليدين ما دام يملك أن يدفع «وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ».
فى أعقاب الحكم على مبارك، خرج الديب على الناس فى «ثياب الواعظين» يستشهد بعبارة قالها قاضى المنصة: «إن ثوار التحرير قتلتهم عناصر إجرامية»، حوّلها بطريقته المعهودة إلى اتهام ميليشيات أجنبية تنتمى إلى حزب الله وحماس بتورطهم فى عمليات القتل، وتجاهل المحامى العتيد حكم الإدانة بامتناع مبارك ووزير داخليته عن إصدار أوامر بوقف قتل المتظاهرين. تعوّد أن يسبح ضد التيار، حتى وإن كان تيار دم بين المصريين وبين موكّليه، الغاية دائما عنده ما تبرر الوسيلة، يتذكر غضبة شيخ الكُتَّاب فى السيدة زينب، ساعة يتلعثم فى نطق الآية: «هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَه عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً».
وكعادة الذئب تجذبه رائحة الدم، لا ينقضّ على الجيف العفنة، ينتقى طريدته بعناية، لوسيان ديفيد مك، عالم الأحياء المتخصص بدراسة الذئاب، يقول إنه أفضل حيوان ينتهز الفرص، وإذا ضاقت عليه الظروف قد يأكل أبناء عمومته، المهم أن يبقى حيا مهما كلفه الأمر، أفضل ولائمه المعدة، يأكلها حتى وإن كانت ملأى بالعشب، لذا فقد اقترن اسم الديب دائما بقضايا الفساد الكبرى. تتملكه الرغبة فى أضواء الشهرة، تنسيه ما حفَّظه إياه الشيخ.
أثناء دفاعه عن أيمن نور فى قضية تزوير توكيلات حزب الغد، قال فى مرافعته أمام المحكمة إن نظام مبارك يُعتبر نظاما بائدا وغادرا، وإن القضية تفوح منها رائحة الانتقام السياسى الغادر بسبب تجرؤ نور على الترشح فى وجه مبارك وحلوله ثانيا فى انتخابات 2005 «وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ»، وخلال السنوات السبع التالية، يتحول مبارك «الغادر» و«البائد» إلى مظلوم ومجنى عليه، يتذكر كيف كان يهاجم يوما ما موكّله الحالى، وهو يهتف فى القاضى:
حذَّرتُكم
أنَّ البُطونَ الجائعةْ
يوماً ستزحفُ نحوَكم
قلتُم بأنَّ القائمينَ
على البلادْ .....
قلتُم بأنَّ الحاكمَ الجلادْ
دوماً لديهِ ذَخيرةٌ، وعَتادْ
حذرتكم
أنَّ العبيدْ
يوماً ستقتُلُ زُمرةَ الأسيادْ
يكتم ضحكة غلبته ويهمهم «وهكذا تدور الدوائر».
اعتبر الديب أن تورط رجل الأعمال الشهير هشام طلعت مصطفى فى مقتل المطربة سوزان تميم صيدا ثمينا، لم يتردد فى الانضمام إلى كتيبة الدفاع، لكن بعد صدور حكم الجنايات بإحالة أوراق رجل الأعمال وشريكه ضابط الشرطة السابق إلى المفتى، استغل حنكة السنين، واستطاع أن يزحزح هشام طلعت عن مقصلة الإعدام ويصل به إلى عقوبة مخففة قدرها 15عاما، سيناريو يسعى لتكراره فى محاكمة القرن مع مبارك «وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ».
تولى فريد الديب، أحد من تمت الإطاحة بهم فى مذبحة القضاة عام 1969، الدفاع عن علية العيوطى المتهمة فى قضية نواب القروض، وكان موكلا عن رجل الأعمال حسام أبوالفتوح الذى تورط ومجموعة من كبار رجال الأعمال فى الحصول على قروض تجاوزت المليار ونصف من بنك القاهرة دون ضمانات، ودافع عن أبوالفتوح أيضا فى قضايا لتهريب الخمور وحيازة أجهزة تنصت والاعتداء على حرمة الحياة الخاصة براقصة وتصويرها بغير رضاها فى أوضاع حميمية، قضايا كثيرة، حاول خصوم المحامى الكبير المولود فى 1943 أن يجعلوها وصمة عار فى جبينه، يقولون إنه صار عبدا للمال والشهرة والقضايا المثيرة للجدل، لكن فى كل مرة يجد مخرجا ينجيه ولو بينه وبين نفسه، يقول عبدالعزيز جويدة:
لأن المليكَ
يخافُ على المُلكِ
حتى النخاعْ
وصارَ الصُّمودْ، وصارَ التحدى..
كلاماً سخيفاً، ووهماً يُباعْ
لأن المليكَ يُحبُّ الوداعةْ
ويُؤمَرُ مِمَّن هنا أجلسوهُ
يقولُ بصدقٍ: سمعاً وطاعةْ
لأن زمانَ المليكِ العجيبَ
زمانُ الوضاعةْ»