«عشاق الموت»: السعودية أرسلت كتباً مجانية لمساجد كندا تحرض على الإرهاب
الصحفى المصرى «سعيد شعيب» والباحث الكندى «توم كویجان»
«عشاق الموت»، تتجاوز هذه العبارة كونها عنواناً لكتاب مهم أصدره سعيد شعيب، الكاتب الصحفى المصرى المقيم فى كندا، وتوم كویجان، الخبير فى شئون الإرهاب، ضابط الاستخبارات الكندى السابق، فتلك العبارة اللافتة للانتباه هى اقتباس حرفى من خطبة لإمام مسجد «تورنتو»، أكبر مدن كندا، وشهدت تحريضاً لشباب كندا على السفر إلى سوريا والانضمام لتنظيم «داعش» الإرهابى.
صحفى مصرى وباحث كندى يصدران كتاباً عن التطرف فى المؤسسات الإسلامية بالغرب
كيف أقنع ذلك الخطيب شباب كندا بفكرة «عشق الموت»؟ يجيب «شعيب» بأن «الخطيب شرح لهم أن المسلمين هم عشاق الموت الحقيقيون، ويجب عليهم ألا يخشوه فى القتال، لأن القتل يعنى الاستشهاد والاستشهاد يعنى الجنة والجنة تعنى أن تجد آلافاً من حور العين فى خدمتك الجسدية والروحية».
من هنا، جاءت فكرة إصدار كتاب يتقفى أثر ظاهرة تنامى التطرف الدينى فى المؤسسات الإسلامية (مساجد ومدارس واتحادات طلابية وجمعيات خيرية ومكتبات والجمعيات الثقافية)، والمساعدة فى الكشف عن منابع الارهاب، ومن ثم مقاومتها والقضاء علیها. الكتاب، الذى يقع فى 77 صفحة من القطع الصغير، ونشرته «ستار النشر وشبكة TSEC» باللغتين العربية والإنجليزية، يعرض حقائق صادمة عن «التطرف الدينى» الذى عرف طريقه للمؤسسات الإسلامية فى كندا والمجتمعات الغربية عموماً، وينبش فى تاريخ تقليدى قديم للثقافة الإسلامية التقليدية، ويعرى الاستدعاء الأعمى له فى واقع مغاير، ويطرح عدة أسئلة ويجيب عنها بعمق شديد، فى إيجاز مبسط معاً، أبرزها أسئلة عن مصدر تلك الأیديولوجیا الدینیة السائدة، التى تشكل المصنع الأكبر للإرهاب، من یمولها ویدعمها، من یرید نشرها فى كندا والغرب والعالم.
المسلم العادى فى الغرب يحاصره التطرف وإذا لم يتحول إلى إرهابى نعتبره بطلاً
أولى الحقائق التى يصدرها المؤلفان فى أول فصول الكتاب أننا «نحتاج كمسلمين لشجاعة النظر فى المرآة، والاعتراف أن المشكلة عندنا أولاً قبل أن تكون عند غيرنا»، كما يكشف أن «منابع الإرهاب فى كندا هى ذاتها الموجودة فى أى بلد غربى، وفى بلاد الشرق الأوسط، وفى كل مكان فى العالم، فهى ذات الأیدیولوجیا، وهم نفس الداعمین لها».
«شعيب»: وصلتنى رسالة من تكفيرى عبر «فيس بوك».. وتعرضنا لهجوم الإخوان والسلفيين فى كندا فور صدور الكتاب.. ونعمل على كتاب جديد حول توغل «الإخوان» فى الغرب
فى مقدمة الكتاب لـ«كویجان» يوضح أن الكتاب يسعى للإجابة عن سؤال واحد: هل لدى كثير من المساجد والمؤسسات الإسلامية والمكتبات فى كندا مشكلة داخلية تجعلها تدعم الأيديولوجيات المتطرفة؟ ويشدد على أن التطرف مترسخ فى البنية الأيديولوجية لكثير من المؤسسات، ولذلك من الطبيعى أن يكون فى كندا إرهاب وإرهابيون.
ويقول «شعيب» فى المقدمة إن «هدفى أنا وصديقى لفت انتباه كل المسلمین فى كندا والغرب والعالم، ولفت نظر القائمین على الشأن الإسلامى، من أئمة ومنظمات إسلامیة لجوهر المشكلة، أدعوهم لنتكاتف جمیعاً من خلال نقاش عام مفتوح لوضع الحلول التى تحمى الدین الإسلامى العظیم، وتحمى المسلمین وغیر المسلمین من الإرهاب»، وعطفاً على ذلك يبرئ المؤلفان ذمتيهما من أن يكون الكتاب ضد الإسلام أو المسلمین، ويؤكد «شعيب»: «أنا مسلم متدین، حریص على دینى العظیم، شریكى فى الكتیب یعادى الإرهاب الإسلامى ولیس الإسلام ولا المسلمین، لیس هدفى توجیه الاتهام لأى شخص أو مؤسسة إسلامیة، لیس عندى شك فى أن أغلبیة المسلمین یریدون القضاء على الإرهاب الذى یدمر دینهم ویدمر غیرهم من الأبریاء».
بيت القصيد إذاً هو «منابع الإرهاب»، والبحث فى هذا الإطار قاد الباحثين للعودة إلى مشكلة «النصوص والتاریخ الدینى للمسلمین»، ويعتبر «شعيب» أن هذين الرافدين هما «النبع الأهم للإرهاب»، ويؤكد أن القتلة أبناء شرعیون للثقافة التقلیدیة الإسلامیة، التى تتعامل مع النصوص بمعناها الحرفى، متجاهلة أنها مرتبطة بظروفها، مع تجاهل وجود مجددین عظام تجاوزت جهودهم هذا المأزق، مثل نصر حامد أبوزید، ومحمد أركون وإسلام بحیرى وسید القمنى وغيرهم.
ويلفت «شعيب» الانتباه إلى أن المكتبات العامة فى كندا تضم كتباً تحرض على الكراهية والإرهاب، وكذلك تضم مكتبات بعض المساجد عدداً أكبر من الكتب التى تحرض على الإرهاب، ولا یوجد كتاب واحد هنا أو هناك لأى مفكر إسلامى یرد على الأسس الدینیة التى یستند إلیها الإرهاب، وذات الأمر، كما یوضح الكتاب، یحدث فى معظم المدارس الإسلامیة. وخلص المؤلفان إلى أن «محتوى ومناهج التدریس الإسلامیة فى كندا وغالباً فى الغرب كله، تتعارض مع الحضارة الحدیثة، وقیم الحرية والتعایش ونبذ العنف والإرهاب».
«شعيب وكويجان» اصطدما بحقيقة أن كثیراً من السیاسیین ووسائل الإعلام فى كندا ينفيان نفياً قاطعاً وجود التطرف والإرهاب فى المؤسسات الدينية الإسلامية، لدرجة أن أحدهم قال إن الإشارة للتطرف فى المساجد شكل من أشكال الإسلاموفوبيا، وهو ما اعتبره المؤلفان تضليلاً صريحاً للرأى العام، وأوضحا أن هناك حالة إنكار فى المجتمع الكندى، تؤدى إلى «زیادة الجثث»، وأكدا أن الكندیين الشباب یموتون فى الخارج لتنفیذ عملیات انتحارية مستجیبین لدعایة «داعش» والمقاتلین الجهادیین، وأن الهجمات الإرهابیة القلیلة التى وقعت فى كندا مجرد «إنذار مبكر» لن یصلح معها سیاسة الإنكار.
إزاء ذلك لم يجد المؤلفان مفراً من إثبات ما يعتقدان فيه على أرض الواقع، وذلك عبر زيارة المساجد والمؤسسات الدينية والتجمعات التى تحوى كتباً وأدبيات تحرض على الإرهاب، بهدف «معرفة الخطاب الدینى الذى یطرحونه ویقود الشباب نحو داعش أو یدمرون كندا من الداخل، ومن خلال التعرف على ما یتلقاه الشباب فى تلك الأماكن، یمكن تحدید مسارات صناعة التطرف، فجمیع هذه المؤسسات مسجلة رسمیاً وبعضها يحظى بتمویل من الحكومة، إضافة للتمویلات من خارج كندا»، حسبما يوضح المؤلفان.
وتحت عنوان «المساجد والتطرف فى أوتاوا»، يكشف المؤلفان أن «معظم الكتب الموجودة فى مكتبات المساجد بما فیها القرآن الكریم مطبوعة فى السعودیة، هدایا مجانیة من المملكة، منها كتب تحرض بوضوح على الكراهية والإرهاب، كما وجدت الأجزاء الكاملة لكتاب «فى ظلال القرآن» لسيد قطب، المرشد الروحى للإخوان وفیلسوفها الذى صاغ عقیدة الإرهاب فى العالم، وتكفیر المجتمعات التى لا تطبق شرع الله، وفرض مشروع الإرهاب بالجهاد المسلح، ولم تخل مساجد ومكتبات كندا كذلك من كتب محمد بن عبدالوهاب، خاصة الأعمال الكاملة له، وهو مؤسس المذهب الوهابى وكذلك الأعمال الكاملة لابن تیمیة وصحیح البخارى ومسلم ویتم تقدیمها باعتبارها تمثل الإسلام وحدها.
ويكشف المؤلفان أن هناك من 6 إلى 8 مجموعات تتبع الإخوان، فى كندا، أشهرها مؤسسة «المسلم» والمجلس الوطنى للمسلمین الكندیین، والإغاثة الإسلامیة فى كندا والصندوق الدولى للمصابین للإغاثة والمحتاجین، إضافة لمجموعات أخرى أقل شهرة هما حزب التحریر والخومینیة. خطابهما مماثل للمجموعات التابعة للإخوان المسلمین، كلاهما سلفیون أصحاب میول تكفیریة.
ويقدم المؤلفان نماذج لعلاقة الإخوان بالتنظیمات الإرهابیة فى العالم، وأبرزها «القاعدة» الذى أسسه أسامة بن لادن وأیمن الظواهرى بأفغانستان، انطلاقاً من أفكار «قطب»، وتنظیم «داعش» الذى أسسه أبوبكر البغدادى وكان عضواً فى جماعة الإخوان طبقاً لشهادة یوسف القرضاوى وأفكار (داعش) هى ذاتها أفكار قطب، وتنظيم «بوكوحرام» الذى أسسه فى نیجیریا محمد یوسف عام ٢٠٠٢، تلمیذ إبراهيم الزكزكى مؤسس «الإخوان» بنیجیریا، فى الثمانینات.
من یدعم المساجد والمؤسسات الإسلامیة فى كندا؟ يجيب المؤلفان فى حدود المعلومات المتاحة بأن «الداعم الرئيسى هو السعودیة، ثم الكویت والإمارات، وذلك بالكتب والمطبوعات والدعم المالى المباشر لبناء مساجد ومراكز إسلامیة، ومن المستحيل أن تدعم تلك الدول خطاباً إسلامياً مغايراً للوهابية، أما كندا فهى تدعم الإرهاب عبر دعم تلك المراكز الدينية، من أموال دافعى الضرائب، عبر الدعم الحكومى، وإجمالاً يؤكد الباحثان أن معظم الكتب العربیة عن الإسلام فى الغرب تحرض على التطرف، وكثير من الشباب المسلم فى كندا یتأثر بالتطرف المنتشر فى تلك المؤسسات الإسلامية والإنترنت، لذلك لیست مفاجأة أن يلتحق عدد كبیر من شباب كندا بداعش وجماعات متطرفة وهم فى الغالب لم یعرفوا سوى هذا النوع من الإسلام.
لم يسلم «شعيب وكويجان» من أذى المتطرفين، بعد صدور الكتاب، وما أحدثه من رد فعل، ويقول «شعيب» لـ«الوطن» إن «نحو ٤٥ وسيلة إعلامية وصحفية كندية وأمريكية اهتمت بالكتاب، ما يعكس التعطش لمحتوى الكتاب ومواجهته لمشكلة تشغل الرأى العام»، موضحاً «وصلتنى رسالة من تكفيرى على «فيس بوك» وتقدمت ببلاغ للشرطة الكندية، وأوضحت لهم أن التكفير هو ترخيص بالقتل، وما زالت التحقيقات جارية».
ويضيف «شعيب»: «أنصار الإخوان والسلفيين والإسلاميين بشكل عام أزعجهم الكتاب جداً، وهاجمتنا جريدة شيعية لأن الكتاب يتضمن فصلاً عن توغل «الخومينية» فى كندا، وهناك موقع «هاف بوست» الكندى هاجم الكتاب واتهم مؤلفيه بالتعميم، وتعرضنا لهجوم من رئيس جمعية أئمة كندا، وهى بالطبع لا تمثل كل الأئمة، ورئيسها قيادى كبير فى مؤسسة إخوانية فى أمريكا وكندا، وعندما تواصلت معه هيئة الإذاعة الكندية رفض التعليق وبعد ذلك قال الكلام المعتاد وهو أن هذا الكتاب تعبير عن الإسلاموفوبيا».
ورداً على سؤال عن الضريبة التى يدفعها المسلمون المعتدلون فى كندا لوجودهم على أطراف تلك التجمعات المتطرفة، يقول «شعيب»: «المسلم العادى فى المجتمعات الغربية «مسكين» ويقع تحت ضغط نسخة إرهابية من الإسلام تحرم كل شىء، وتحرضه على كراهية نفسه وغيره، وإذا لم يتحول لإرهابى فهو «بطل»، حيث تحاصره منابع التطرف والإرهاب فى كل مكان، وليس غريباً أن يلتحق كنديون من أسر مسلمة وغير مسلمة بـ«داعش» وغيرها من التنظيمات الإرهابية».
وعن تعاطى الرأى العام الكندى مع آراء السياسيين الكنديين ووسائل الإعلام التى تنكر وجود تطرف فى المؤسسات الدينية الإسلامية، يقول «شعيب» إن النخبة الكندية فى معظمها لا تتفهم طبيعة الإسلاميين وأدواتهم، وذلك لأن المجتمعات الغربية وكندا تحديداً لديهم حساسية شديدة عند التعامل مع أى أقليات دينية وغير دينية، كما أن القيم السائدة تقدس الحريات الفردية والعامة، وهذا ما يستغله الإسلاميون وعلى رأسهم الإخوان، من خلال التخويف بـ«الإسلاموفوبيا»، لتفادى انتقاد أدائهم، والإخوان وحلفاؤهم فى كندا أصبح منهم أعضاء برلمان ومسئولون كبار فى الحكومة الحالية، ويسعون مع غيرهم لسن قوانين تدمر حرية الرأى والتعبير لتكميم الأفواه حتى لا يهاجمهم أو ينتقدهم أحد.
إعداد الكتاب استغرق حسب «شعيب» 3 شهور للبحث الميدانى و٣ للعمل على مادة البحث، و3 للكتابة، وكذلك «كويجان» أما القادم لهما فهو كتاب جديد يعملان عليه بذات الطريقة عن توغل الإخوان فى كندا وأمريكا والغرب عموماً، وخطورتهم على تلك المجتمعات، وكشف خطط تمكينهم بها وتغيير وهدم الحضارة الغربية من الداخل.