عضو كونجرس سابق: «الإخوان» عاجزون سياسياً.. وفاشلون اقتصادياً ويحكمون ثور هائج
فى الأسبوع الماضى حضر إلى القاهرة وفد أمريكى غير رسمى أرسلته وزارة الخارجية الأمريكية بهدف واضح: «حاولوا أن تفهموا مصر التى لا نعرفها»، وضم الوفد نخبة من الساسة والاقتصاديين، على رأسهم عضو الكونجرس السابق البارز «لارى لاروكو» الذى لم ينتظر حتى يعود إلى الولايات المتحدة وقرر تدوين مشاهداته وملاحظاته على الحياة فى مصر وأرسلها فى عدة برقيات صحفية متتابعة لصحيفة «آيداهو ستيتسمان»- كبرى الصحف اليومية فى ولاية «آيداهو».
الوفد تجول فى كل جنبات القاهرة والإسكندرية من محلات خان الخليلى ومقهى ريش حتى السفارة الأمريكية ومجلس الشورى وتحدث مع الجميع: رجال دولة ومستثمرين ونشطاء ومدونين وحتى فريق الحملة الرئاسية للفريق أحمد شفيق، وطبعاً مع «الإخوان».
وبعد أكثر من أسبوع من اللقاءات المستمرة لخص «لاروكو» ورطة مصر كما رآها على النحو التالى: «لا توجد بنية سياسية بعد الثورة، فالمعارضة ليس لديها الكثير لتقدمه بديلاً للإخوان و«بيزنس السياسة» فى مصر ما زال فى مرحلة الطفولة، ومن يحكم -يقصد الإخوان- جديد على اللعبة وغير متمرس ولا مُختبر، إنهم أشبه برعاة بقر فى يومهم الأول على ظهر ثور هائج، فهم عاجزون عن وضع تصورات شاملة وعاجزون عن خوض مباريات صغيرة، وحين يسبحون يعجزون عن الوقوف فى المياه، ووسط هذه الطفولة السياسية تضغط أزمة اقتصادية هائلة على الجميع».[Image_2]
وأضاف «لاروكو»: من الواضح أن «الإخوان» فشلوا حتى الآن، ومن غير المؤكد أنهم قادرون على التعافى من كبوتهم حتى وإن فازوا فى الانتخابات البرلمانية المقبلة. البعض هنا يصف «الإخوان» بـ«تجار شطار» يستطيعون عقد صفقات الاستيراد مع تركيا والصين لكنهم اقتصاديون فاشلون وغير قادرين على إدارة اقتصاد بلد وتنميتها. مهارتهم التجارية ساعدتهم فى الفوز بالانتخابات الماضية، لكن الاقتصاد المتعثر تحت قيادتهم يجعلهم عرضة للنقد والسخط الشعبى على نطاق واسع فى مصر اليوم. وتابع: مشاعر السخط على «الإخوان» ساخنة جداً بين الأحزاب والقوى العلمانية ونشطاء حقوق الإنسان لدرجة أن البعض يعتقد أن الاقتصاد سينهار -تحت حكمهم- فى غضون 30 يوماً، ما سيدفع الجيش للتدخل وإنقاذ البلد.. وأنا أستمع إلى تصريحات المعارضة الغاضبة تذكرت النظرية الشهيرة «يجب حرق القرية لإنقاذها» ومن الغريب جداً أن البعض كان مقتنعاً أن انهيار الاقتصاد سيؤدى إلى نهاية «الإخوان» سياسياً وسيطرة الجيش على البلد ثم تصحيح الدستور ثم انتخابات نزيهة، وكسياسى وعضو كونجرس سابق، أقول إنه من الصعب علىّ أن أفهم كيف يمكن للمعارضين أن يهددوا بمقاطعة الانتخابات ويتركوا الساحة كاملة للرئيس وحزبه، لكن البعض ذكّرنى أن مصر ليست أمريكا والأوضاع هنا كلها مرتبكة وقواعد اللعبة غير سليمة.
وتابع «لاروكو»: قبل أن يصبح رجب طيب أردوغان رئيساً للحكومة التركية كان رئيساً لبلدية اسطنبول، ويعرف كيفية تقديم الخدمات للناس وجمع القمامة من الشوارع. وجمع القمامة يمكن أن يكون بداية طيبة لأى حزب سياسى فى القاهرة التى تغطيها أكوام القمامة. لكن فى الوقت الحاضر لا الحكومة تحاور المعارضة ولا المعارضة راغبة فى هذا الحوار، والطرفان مشتبكان فى مهاترات عن الماضى، ونظريات المؤامرة تغلب على الطرفين اللذين يعتقدان -وهذه نقطة الاتفاق الوحيدة- أن أوباما هو من جاء بـ«الإخوان» للسلطة، وهذا محض خيال.[Quote_1]
خرج «لاروكو» وزملاؤه بانطباعات إيجابية عن لقائهم برئيس مجلس الشورى الدكتور أحمد فهمى الذى تحدث إلى الوفد الأمريكى بثقة توحى بأن «الإخوان» تجاوزوا عثرتهم ووجدوا خريطة طريق لحل مشاكلهم السياسية، وأجاب بمهارة عن العديد من الأسئلة الصعبة وتحدث عن «خطة هجومية» للوصول إلى المعارضة لتصحيح أوجه القصور المعروفة فى الدستور، ما يؤدى إلى انتخابات أكثر تكافؤا. وبعد اجتماعنا مع الدكتور فهمى حاولنا تقييم رئيس مجلس الشورى مقارنة بالصورة السلبية التى ترسمها المعارضة «لكن رغم كل هذه الانطباعات الإيجابية سرعان ما شعر أعضاء الوفد بالإحباط عندما علموا أن مجلس الشورى لم ينتخبه إلا نحو 7% فقط من القاعدة الانتخابية، وأنه تاريخياً كان حافلاً بمحاسيب الرئيس السابق وأتباعه، وأن المصريين ما زالوا ينظرون إليه بهذه الطريقة رغم الثورة.
وعن الوضع الاقتصادى قال «لاروكو»: مصر تواجه كارثة اقتصادية لكننا لسنا متأكدين متى تنهار وتفلس. ورغم تطمينات «فهمى» الذى فمهت منه أن 60% من قوة الاقتصاد المصرى تسير بقوة الدفع الذاتى ولن تتأثر كثيراً بالاضطرابات السياسية، أرى أن الموقف فى مصر خطير، فالانهيار الاقتصادى سيطلق اضطرابات اجتماعية.
فى لقائه بالغرفة التجارية الأمريكية تأكد «لاروكو» أن الأزمة الاقتصادية ستتجسد فى «أزمة طاقة» فخفض دعمها يمثل تهديداً خطيراً لجماعة «الإخوان»، وهو خطر يزداد مع اقتراب الصيف الذى ترفع حرارته فاتورة الدعم المتضخمة أصلاً. أزمة الطاقة مشكلة قديمة لكنها الآن من نصيب الجماعة. ومشكلة الطاقة أحد ملامح أزمة اقتصادية شاملة وموافقة صندوق النقد الدولى على منح مصر قرضاً بقيمة 4.8 مليار دولار تتفاوض عليه الحكومة منذ شهور طويلة سيشجع دولاً كثيرة على مساعدة مصر بإعطائها قروضاً ومنحاً وجدولة ديون قديمة، لكن كل هذه المنح والمساعدات لا تقارن بحجم الدين العام الهائل لمصر، وهو ما جعل «لاروكو» يقول: «أشعر أن الاقتصاد المصرى قطار يتحطم أمامى بالتصوير البطىء».
بعد اجتماعات كثيرة مع رجال أعمال ومستثمرين مصريين وأجانب ومسئولين ومتابعة ما يجرى فى الشارع رصد «لاروكو» عدة ملاحظات، أولاها أن الاضطرابات ألقت بغشاوة على الجميع «فهم لا يبصرون» المستقبل وعاجزون عن تحسس طريقهم إليه لدرجة أن الشركات الأمريكية العاملة فى مصر لا تستطيع أن تتنبأ بمستقبل البلد حتى ولو لمدة شهر واحد.
الأمر الثانى أن الرأى العام شديد الحساسية والسخط فى كل مكان على الولايات المتحدة، إلى الحد الذى جعلنا نذكّر الجميع فى كل مكان نذهب إليه أننا لا نمثل الحكومة الأمريكية درءًا للهجوم علينا. والحقيقة أن أمريكا فى وضع حرج فيما يتعلق بمصر «فهى ملعونة إن تدخلت وملعونة إن لم تتدخل»، والأغلبية العظمى هنا مؤمنة أن الديمقراطية ليست أولوية أمريكية وإذا كانت أولوية فإنها لن تتحقق بدعم مرسى وجماعته.[Quote_2]
وتابع «لاروكو»: واشنطن ما زالت تقيّم أداء «الإخوان» وتراقب قدرتهم على إدارة البلد والخروج من هذا النفق، وتقديرى إذا أصم «الإخوان» آذانهم وإذا أساؤوا قراءة نتائج الانتخابات واعتقدوا أنهم يملكون تفويضاً لم يمنحهم لهم أحد فسينهارون بأسرع مما يتوقعون ولن يمر وقت طويل قبل أن يثور مئات الآلاف ضدهم. أمريكا تقف فى منتصف الصراع عاجزة تواجه شائعات بلا أساس؛ أنها أتت بـ«الإخوان» للسلطة، وهذه الشائعات تتغذى على إحباط الشارع الذى يزيد مع الانهيار الاقتصادى. والقوى العلمانية، والمعتدلون والمسيحيون يلومون الولايات المتحدة لعدم الإطاحة بمرسى والبعض سعيد بتجميد المعونة، فقط نكايةً فى «الإخوان».
وعن الوضع الأمنى فى مصر قال «لاروكو»: «لم أكن أبداً قلقاً من الحضور لمصر لكن الآن أشعر بالقلق وكل من عرف بمجيئى لمصر يقول لى: خذ حذرك.. هذا الانطباع العام هو ما يصرف السائحين عن زيارة مصر ويضاعف من متاعب الاقتصاد. وتابع: لكن رغم كل ما سمعناه عن تدهور الأمن فى الشارع المصرى، فإن العنف الجديد على المصريين لا يقارن بالعنف فى شوارع شيكاغو، فمعدل الجريمة فى مصر ظل لسنوات طويلة تقريباً زيرو والقتل كان أمراً نادراً ولا مجال لمواطنين يحملون السلاح، الموقف الآن تغير وبدأت الأسلحة تتدفق من ليبيا على مصر ويقبل المواطنون على الاحتفاظ بها سراً، خوفاً من الفوضى والانفلات الأمنى، هذا أمر جديد على مصر التى أعرفها عن قرب منذ عام 1996ولم أتوقعه.
ويتابع: مصر بلد معقد، ولديها ثقافة وتاريخ، لكنها تكافح من أجل أن يكون لها مستقبل. بالنسبة لواشنطن مصر هى مركز الفكر والاقتصاد فى العالم العربى لكنها مشلولة فى الوقت الحالى. ومثل الكثيرين شعرت بالفرح لثورتهم، وحين زرت مصر بعد الثورة مباشرة ملأنى الفرح والأمل فى أن مصر تسير على الطريق الصحيح نحو الديمقراطية لكننى كنت واهماً، فتعقيدات الحياة المصرية لا تضمن انتقالاً سلساً لمستقبل أفضل، والآن أدرك بقوة أن الأمور فى مصر ترجع للخلف، فالمصريون توقعوا الكثير جداً من ثورتهم والنتيجة إحباط وتشاؤم شديدان».
ورصد «لاروكو» 3 أسباب لإحباط المصريين؛ أولها أنهم حديثو عهد بالحرية ويفهمون الديمقراطية بمنطق «إما كل شىء أو لا شىء» ويرفضون التدرج لتحقيق أمانيهم. ثانياً أن التطورات السياسية خادعة، فقد نجحوا باقتدار فى إتمام الانتخابات البرلمانية لكن سرعان ما ندموا عليها لأنها أتت بـ«الإخوان». وثالثاً المعارضة -بعد خسارتها الانتخابات- تعيش فى فقاعة عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات ولديهم قناعة عميقة أن «الإخوان» ما كان لهم أن يفوزوا، وبالتالى يجب تصحيح هذا «الخطأ» فى أسرع وقت ممكن. مبدأ المقاطعة والاحتجاجات توجه يناسب الثورة ولكن ليس بالضرورة الصيغة الصحيحة لبدء العملية السياسية. ويجب علينا أن ندرك أن نفوذ الجيش هائل فى البلد وقوات مبارك لم تغادر مسرح الأحداث كلية. يقال إن الانتخابات الثانية بعد أى ثورة هى ما يهم وكل من خسر الانتخابات ينتظر الانتخابات القادمة، وكثيرون جداً فى مصر مشغلون بالانتخابات الفائتة عن القادمة. وعلى الجانب الآخر خذل «الإخوان» الجميع وخيبوا آمال من تصور أنهم قادرون على إدارة البلد اقتصادياً بكفاءة، لكن على العكس يواصل «الإخوان» ارتكابهم الخطأ تلو الآخر اقتصادياً.[Quote_3]
ويتابع «لاروكو»: مع تفشى البطالة وعجز الموازنة يتدهور الوضع ساعة بعد ساعة. السياسة تدور حول المستقبل و«الشارع» الذى أيّد «الإخوان» لا يرى مستقبلاً تحت قيادتهم فى الوقت الراهن، فلم تنجح الجماعة فى التعامل مع القضايا الكبيرة ولا التفاصيل الصغيرة، ومحاولاتهم الخفية لتقييد الحريات نفّرت الكثيرين منهم. القيادة المصرية تحتاج إلى الاستيقاظ إلى حقيقة أن الانتخابات الأخيرة لا يعنى تحولاً جذرياً وموافقة على إنشاء دولة إسلامية وعليهم أن يدركوا أن قطار الزمن تجاوز هذه الأفكار منذ زمن طويل والشعب لديه احتياجات عاجلة تستحق الالتفات لها أولاً.