نواب: مصر أكبر من أن تكون تابعة.. ومثقفون: التجاوز فى حقها خطر على «المملكة»
عبد الله السناوي وطارق الخولي
تشهد الأوساط البرلمانية والثقافية والسياسية فى مصر حالة غضب من الهجوم السعودى غير المُبرر على مصر بعد تصويتها فى مجلس الأمن لصالح مشروع القرار الروسى للتهدئة فى سوريا، وخصوصاً «حلب». وأكد نواب ومثقفون أن مصر لم تكن أبداً تابعة لأحد، ولن تكون، وأن المملكة العربية السعودية إذا خسرت مصر، فإنها تضر بكيانها وأمنها. وقال النائب خالد شعبان، عضو تكتل «25/30» البرلمانى، لـ«الوطن» إن موقف المملكة العربية السعودية الأخير من مصر، لا يصح، خصوصاً أنه تطرق إلى المساعدات السعودية، فى حين أن مصر وقفت ودعمت المملكة وساندتها فى الكثير من المواقف، وآخرها الموقف المصرى من قانون «جاستا» الأمريكى بشأن الإرهاب.
«السناوى»: السعودية لو اختارت القطيعة مع مصر فوجودها على الخريطة «محل شك».. و«الخولى»: بعض الأحزاب فى الداخل السعودى تنتظر مقابل المساعدات تبعية مصر فى قراراتها للسعودية
وأضاف «شعبان»: «الهجوم السعودى لا يوجد ما يبرره حتى لو اختلفنا معها فى موقف سياسى، فمصر ليست دولة صغيرة، وهى من تحمى المنطقة العربية عسكرياً وسياسياً، رغم الأزمة الاقتصادية التى تمر بها، وبالتالى فإن موقف المملكة الحالى ما هو إلا استغلال للأزمة، وإملاء مرفوض، وحان الوقت أن نقف على أقدامنا ونعتمد على سواعدنا لبناء دولتنا، خصوصاً أنه لا يصح ما يقال عن أنها كانت تعطينا الطعام والشراب والمال، فلا أحد كان له فضل علينا بل نحن من كنا نرسل لهم الطعام والمحمل ودافعنا عن المنطقة بدماء جنودنا، وبالتالى فإن وقوف السعودية مع مصر ليس تفضلاً، وإنما أقل ما يقال إنه رد للجميل».
وقالت السفيرة داليا يوسف، وكيلة لجنة العلاقات الخارجية بـ«النواب» إنه من المستحيل أن تكون مصر تابعة لأحد فى قرارها، فلكل دولة سيادتها وقرارها المستقل، وقد احترمنا استقلالية قرارات كل الدول وعلى الآخرين احترام خياراتنا والقرار المصرى. وأضافت: «مهما قلنا فلن نستطيع وصف الروابط القوية بين البلدين والشعبين المصرى والسعودى، فهو أمر مفروغ منه، لكن ذلك لا يمنع اختلافات الرؤى السياسية، فهى أمر وارد حتى فى دول الاتحاد الأوروبى، ولكن لا يمكن أن يمثل نقطة تحول الجهود فى اتجاه الضغط على مصر ومحاولة حصارها، وبشكل عام القاهرة متفهمة للموقف السعودى من القضية السورية، رغم أن مصر أكبر دولة فى المنطقة، سياسياً وعسكرياً، وكنا ننتظر نفس القدر من التفهم من قبل الرياض لموقفنا السياسى، خصوصاً أن مصر هى التى تقود المنطقة».
وتابعت: «كانت هناك خلافات حول الموقف فى اليمن، لذلك فإن المشاركة المصرية لم تكن بالشكل الذى تريده المملكة، لأننا تعلمنا من تجاربنا السابقة هناك، أما من يشتموننا ويتحدثون عن مساعدات السعودية لمصر، فعليهم أن يراجعوا التاريخ جيداً، فكثيراً ما وقفت مصر إلى جوار المملكة ودعمتها وساندتها فى الماضى داخلياً وفى الحاضر خارجياً».
«شعبان»: وقوف السعودية معنا ليس تفضلاً وأقل «رد للجميل».. و«داليا»: على الآخرين احترام سيادة قرارنا واستقلاله
وقال النائب طارق الخولى، أمين سر لجنة العلاقات الخارجية، إن الهجوم السعودى على مصر غير مبرر، ويجب الفصل بين مجريات العلاقات، وحرية القرارات، فلا يمكن لأحد أن يملى على مصر قراراتها وسياساتها، ومحاولة ذلك إنما هى تدخل فى القرار السياسى المصرى، وهو أمر مرفوض بشكل قاطع.
وأضاف «الخولى» أن أية مساعدات حصلت عليها مصر من السعودية، لا يمكن أن تنتظر المملكة مقابلاً لها، خصوصاً أن مصر كانت فى حقبة سابقة تقدم الكثير من المساعدات لها، ووقفت إلى جوار كل الدول الشقيقة، لم تنتظر أى مقابل من أحد، كما يفعل البعض الآن ممن ساندوننا فى الظرف الاقتصادى الذى نمر به.
وتابع: «من الغريب أن بعض الأطراف فى الداخل السعودى ينتظرون مقابل المساعدات تبعية مصر فى قراراتها للسعودية، بينما مصر لديها تاريخ طويل فى النضال من أجل استقلال قرارها الوطنى، وما نشاهده الآن من هجمة شرسة من الغرب وأمريكا، والبعض فى المنطقة، سببه رغبتهم فى تركيع مصر وإخضاعها بسبب استقلال قرارها السياسى، وسعيها لاستعادة مكانتها داخلياً وخارجياً بشكل أقوى مما كان، ومن الصعب على من رفض الخضوع لأمريكا والغرب أن يخضع لدول أقل فى المنطقة».
وأوضح أمين سر «العلاقات الخارجية» أن الرئيس عبدالفتاح السيسى، عندما استخدم عبارة «مسافة السكة» كانت مصر تقدم غطاءً عسكرياً للسعودية وللدول العربية والخليج، لحمايتها باعتبارها أكبر قوة عسكرية فى المنطقة، ولم تنتظر وقتها أى مقابل لذلك، ولم تطلب تبعية تلك الدول لها، لأنها تحترم القرار السياسى لكل الدول.
وقال اللواء سعد الجمال، رئيس لجنة الشئون العربية بالبرلمان: «أدعو للحوار ورفض شق الصف، ولا بد للسعودية أن تتفهم جيداً أن مصر لا تدافع عن شخص أو رئاسة فى سوريا، وإنما تدافع عن شعب شقيق كان هو الضحية الحقيقية فى الصراعات القائمة، فمصر لا تتجه للدفاع عن الرئيس السورى، بل تريد الحفاظ على دماء السوريين وحقنها، وعدم الدفع فى اتجاه سقوط البلد الشقيق وتدميره أكثر».
وقال النائب مصطفى بكرى، إن السعودية لم تقطع إمدادات مصر بالمواد البترولية كما يقال، وإن الاتفاق سارٍ كما هو، لأن العلاقات المصرية السعودية قوية، مضيفاً: «أقول للمهاجمين اتركوا الأمر للقيادة السياسية، فالعلاقة بين الرئيس عبدالفتاح السيسى، والملك سلمان، خادم الحرمين الشريفين، أقوى من كل ذلك، ونحن لا نسعى للخلاف مع المملكة، ولكن هذه هى وجهة نظرنا للملف السورى، وإنقاذ الأوضاع هناك»، وكشف «بكرى» عن أن هناك وفداً مصرياً رفيع المستوى سيزور المملكة فى الأيام المقبلة.
من جانبه، قال الكاتب الصحفى عبدالله السناوى، إن مصر ليست دولة صغيرة، والسعودية فى المقابل ليست من القوى العظمى، لكى تأمر فتُطاع وتمنع عن مصر استقلالها فى اتخاذ قراراتها، وحتى لو كانت فإن مصر لا تخضع لأحد، مضيفاً: «المملكة دخلت من طرف واحد فى عملية عاصفة الحزم، ولم تخطر مصر إلا قبلها بـ48 ساعة، ومع ذلك وضعت اسم مصر ضمن قائمة التحالف، لتقول إنها تقود الأمة العربية، وهناك مبالغة سعودية فى ذلك لأنه لا يتوافر لها أصلاً مواصفات القيادة، وكل الدول التى حاولت القيادة بعيداً عن مصر فشلت على نحو ذريع، بداية من عراق صدام حسين إلى ليبيا مُعمر القذافى، وسوريا الأسد، لأنه لا يمكن استبدال الدور المصرى بآخر».
وأضاف «السناوى»: «الكلام باستخفاف أو تعالٍ على مصر خروج عن مقتضيات الأدب، والقاهرة تضع اختلافاتها معهم تحت سقف معين حفاظاً على الشقيقة السعودية» لافتاً إلى أن «مصر أقرب للموقف الروسى الإيرانى فى الأزمة السورية، منها إلى محور السعودية وقطر وتركيا والولايات المتحدة، فنحن نتعامل بعقلانية وموضوعية مع هذا الملف وعيننا على الشعب السورى ووقف الدمار هناك».
وتابع: «الحديث المتجاوز فى حق مصر خطر حقيقى على السعودية، وتعليق الإمدادات سيدفع القاهرة بالضرورة للبحث عن بدائل، وإيران وفنزويلا من الدول المستعدة ومتأهبة لدعم مصر واللجوء إليهما سيزيد أزمات السعودية الإقليمية فى كل الملفات، وسيسبب خللاً استراتيجياً فى معادلات المنطقة، ستكون تكاليفه مروعة على المملكة ولن تستطيع تحمله». وشدد «السناوى» على ضرورة الحفاظ على الحد الأدنى من العلاقات بين البلدين، وليس من حق أحد أن يمنّ على الآخر، فإن كانت مصر حصلت على مساعدات، فقد أنهت فى المقابل حكم الإخوان الذى كان يمثل تهديداً وجودياً لأنظمة الخليج، مستطرداً: «أدعو الإخوة السعوديين للتعقل والحديث بأدب حينما يتكلمون عن مصر فلسنا ضيعة لديهم، وعليهم أن يعلموا أنهم إذا خسروا مصر وحدثت قطيعة فوجودهم على الخريطة سيكون محل شك كبير».
وقال الكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين الأسبق، إن مصر لم ترتكب جرماً حينما مارست سيادتها على قرارها وخياراتها، وإمدادها بالبترول اتفاق تجارى وليس سياسياً، مضيفاً: «السعودية تتصور أن مصر خانتها فى مجلس الأمن، رغم أننا صوتنا أيضاً للاقتراح الفرنسى الإسبانى، ورغم علمهم بموقف مصر الواضح من المنظمات الإرهابية، إلا أنهم يصرون على أن نتبعهم فى وجهة نظرهم، فهم يروننا تابعين لهم، ونلتزم مواقفهم بناءً على التحالف معهم، وهذا خطأ».