ماذا وراء تحذيرات السفارتين الأمريكية والكندية فى مصر؟!
مصطفى بكرى
كانت البداية على يد السفارة الأمريكية، لقد أصدرت بياناً مهماً ومفاجئاً، يخرج عن كافة الأعراف الدبلوماسية، ويشكل سابقة خطيرة، تكشف عن وجود تحركات مشبوهة تلعب فيها هذه السفارات أدواراً لا يمكن أن تكون بريئة بأى حال من الأحوال.
البيان الصادر عن السفارة الأمريكية حوى عدة نقاط لها دلالتها:
أولاً: إثارة الذعر وتقديم رسالة للعالم بوجود قلاقل فى مصر، من خلال تحذير الرعايا الأمريكيين من الوجود فى التجمعات الكبيرة والأماكن العامة مثل دور السينما والحفلات الموسيقية والمتاحف ومراكز التسوق والملاعب الرياضية بالقاهرة، اليوم الأحد 9 أكتوبر.
ثانياً: أكد البيان أن السبب فى هذا التحذير وجود مخاوف أمنية محتملة، ما يستدعى على المواطنين الأمريكيين أن يأخذوا حذرهم وأن يكونوا على علم بمحيطهم ويتبعوا احتياطات أمنية جديدة.
ثالثاً: أن البيان أراد أن يؤكد أن لدى السفارة معلومات موثقة حول أعمال إرهابية قد تحدث اليوم، ومن ثم دعا البيان المواطنين إلى البقاء فى حالة تأهب وحذر فى جميع الأوقات.
رابعاً: إشارة البيان إلى أنه فى حال تدهور الأوضاع قد تكون هناك إجراءات أخرى، ومن ثم نصح المواطنين بالحفاظ على وثائق سفر صالحة، والتسجيل من خلال وزارة الخارجية أو السفارة الأمريكية بالقاهرة من خلال موقع برنامج التسجيل الذكى للمواطن الأمريكى المسافر أو المقيم.
- لم يمض وقت طويل على صدور هذا البيان، حتى فاجأتنا السفارة الكندية فى القاهرة بإصدار بيان هى الأخرى تحذر فيه رعاياها من أعمال متوقعة، اليوم 9 أكتوبر، محذرة من خطورة ارتياد أماكن التجمعات الجماهيرية، وزادت عليها أيضاً دور العبادة ومراكز الشرطة والمنشآت الأمنية.
- وأشارت السفارة الكندية فى بيانها إلى أن «تنظيم بيت المقدس»، الذى وصفته بالمجموعة الإرهابية الأكثر نشاطاً فى مصر، كان قد تعهد بالولاء لتنظيم داعش، وأن هناك احتمالاً بأن تكون الهجمات أو حوادث الاختطاف المحتملة تستهدف الكنديين، ذلك أن تنظيم داعش استهدف فى وقت سابق دول التحالف الدولى الذى تقوده أمريكا فى سوريا والعراق ضد التنظيم، ومن بينها كندا، وكذلك الحال السفارة البريطانية.
- ونظراً لخطورة مثل هذه البيانات، وتأثيراتها الداخلية والخارجية، فإن وزارة الخارجية المصرية، وعلى لسان المتحدث الرسمى، المستشار أحمد أبوزيد، حددت الموقف على الوجه التالى:
1- التعبير عن الانزعاج الشديد من البيان التحذيرى الصادر أولاً عن السفارة الأمريكية، مساء الجمعة، دون تنسيق مع وزارة الخارجية المصرية ودون إخطار لأى جهة مصرية رسمية حول أسباب صدور هذا البيان أو طبيعة التهديدات الأمنية المشار إليها، ما يثير علامات استفهام حول أسباب إصدار هذا البيان.
2- أن وزارة الخارجية المصرية، وفقاً لبيان المتحدث الرسمى، قامت بإجراء اتصالات بالسفارة الأمريكية عقب إصدار هذا البيان تستفسر فيها عن أسباب صدوره، فلم تجد إجابة شافية، بل إن السفارة الأمريكية نفت فى ردها على الاستفسارات المصرية وجود أسباب محددة أو تهديدات أمنية معينة وراء إصدار هذا البيان، بزعم أن هذا إجراء روتينى تحذيرى تقوم به السفارة بين الحين والآخر، وتحديداً خلال فترات العطلات الممتدة.
3- هذا الرد لم يعجب الخارجية المصرية ولم يقنعها، ولذلك أعلنت استنكارها خلال الاتصال إصدار مثل تلك البيانات غير المبررة التى يمكن أن تكون آثارها السلبية، لا سيما ما قد ينتج عنها من أضرار اقتصادية، داعية للسفارات الأجنبية إلى توخى الحذر من إصدار بيانات غير مبررة أو مفهومة أسبابها.
- وبعد صدور هذه البيانات المتتالية، راح الخبراء والمحللون يدلى كل منهم بوجهة نظره ورؤيته التحليلية لأسباب صدور مثل هذه البيانات، وقد انحصرت التحليلات فى أحد احتمالين:
الأول: أن اليوم الأحد 9 أكتوبر يناسب الذكرى الخامسة لأحداث «ماسبيرو»، التى راح ضحيتها العشرات من الأقباط، خاصة مع صدور بيانات تشير إلى احتمال وجود تجمعات أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون فى نفس اليوم، وهو أمر من شأنه أن يحدث توتراً أمنياً، خاصة بعد أن رفضت وزارة الداخلية التصريح بإقامة هذه الوقفة فى الموعد المحدد.
الثانى: احتمال ورود معلومات لدى عدد من السفارات الأجنبية عن عزم جماعة الإخوان وبعض التنظيمات الإرهابية الأخرى تنفيذ عمليات إرهابية فى هذا اليوم رداً على مقتل محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد والمسئول عن الميليشيات الإخوانية المسلحة، أو تنفيذ عمليات لتنظيم «أنصار بيت المقدس» رداً على الهجمات الموجهة ضد التنظيم فى سوريا والعراق، أو احتمال صدور أحكام ضد بعض أعضاء هذه التنظيمات خلال هذا اليوم تحديداً.
- تلك هى الرؤية التى اعتمد عليها البعض فى نظرتهم للأمر، غير أن القضية أكبر من ذلك فى اعتقادى بكثير.. وهنا يمكن التوقف أمام عدد من الأطروحات المهمة:
- أولاً: لقد حذرت مصر منذ فترة من الوقت من أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تريد أن تودع فترة حكمها، التى ستنتهى رسمياً مع الانتخابات الأمريكية فى 7 نوفمبر المقبل، إلا بتحقيق انتصار على الأرض فى مصر، بعد أن أفشلت القيادة الحالية فى 3 يوليو 2013 مخطط الشرق الأوسط الجديد، وعطلت تغلغله فى مصر والمنطقة العربية، وهذه التحذيرات أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أكثر من لقاء علنى، ويبدو أن ساعة الصفر قد تحددت، من خلال البدء فى سيناريو إثارة الفزع والتحريض على عمليات عنف داخل البلاد لإرباك القيادة المصرية والسعى إلى جرها لحالة من صدام تشتت جهودها وتفتح الباب أمام مزيد من التدخل الخارجى فى الشئون المصرية.
ثانياً: بالرغم من أنه لا توجد معلومات موثقة أو دلائل على أعمال عنف محددة فى ذلك اليوم، فإن إقدام السفارتين الأمريكية والكندية على تحديد هذا اليوم 9 أكتوبر، هدفه إحداث حالة من الارتباك الحكومى، وإفساد الاحتفالية التى قرر البرلمان المصرى إقامتها فى شرم الشيخ فى ذات اليوم بمناسبة مرور 150 عاماً على بدء الحياة البرلمانية الديمقراطية فى مصر، وهو أمر أيضاً لا يخلو من دلالة؛ ذلك أن مشاركة 35 دولة فى هذا الاحتفال وحضور مسئولين برلمانيين على مستوى رفيع فى هذه الاحتفالية التى ستقام فى شرم الشيخ، إنما يعنى أن هناك محاولة لضرب هذا الاحتفال، ولفت الأنظار بعيداً عنه أو عن مدينة شرم الشيخ.
ثالثاً: أن هذه التحذيرات (الكاذبة) تأتى فى وقت بدأت تتدفق فيه السياحة، وتحديداً الإنجليزية والألمانية، إلى مواقع سياحية متعددة فى مصر، من بينها شرم الشيخ، كما أن الروس قاب قوسين أو أدنى من حسم موقفهم بالسماح للسياح الروس بالسفر إلى الأماكن السياحية فى مصر، ومن الواضح أن الهدف هو تقديم رسالة لهذه البلدان وغيرها بأن الأوضاع فى مصر لا تزال تشكل خطراً على السياح، وأنه من الأفضل التريث لبعض الوقت، وهو أمر هدفه استمرار إحكام الحصار الاقتصادى (غير المعلن) ضد مصر والذى تعددت صوره وأشكاله خلال الفترة الماضية.
رابعاً: أن هذه التحذيرات تهدف إلى إحداث حالة من الذعر لدى المواطنين الأجانب فى مصر وذلك بتحريضهم على مغادرة البلاد، حفاظاً على حياتهم، وأنهم يجب أن يكونوا على أهبة الاستعداد بجوازات سفر صالحة تمهيداً لمغادرتهم البلاد فى حال حدوث أى تطورات مفاجئة، وهى أيضاً رسالة للمستثمرين العرب والأجانب مفادها أن مصر ما زالت غير مستقرة، وأن الأفضل بالنسبة لهم الانتظار خوفاً على استثماراتهم وأموالهم.
خامساً: أن هذه البيانات ليست فعلاً محلياً، بل هى تمت بالتنسيق مع صناع القرار فى كلا البلدين وبدور فاعل لأجهزة الاستخبارات فيها، وذلك تمهيداً للدعوات المنتشرة باسم «ثورة الغلابة» فى 11/11 المقبل، وهى كما يعرف الجميع (فعل إخوانى) هدفه استغلال الأزمة الاقتصادية فى البلاد ودفع المواطنين إلى التظاهر حتى يفتح الطريق أمام جماعة الإخوان الإرهابية لإعلان الحرب الأهلية بهدف إسقاط الدولة، ووفقاً لمعلومات ومصادر أمنية مهمة، فإن هذه الادعاءات تدخل فى إطار الحرب النفسية والشائعات الكاذبة التى يستهدف البعض من ورائها إثارة الإحباط واليأس لدى الجماهير، حتى تقع فريسة لهذه المخططات المعادية لمصالحها وتطلعاتها نحو المستقبل.
وبالرغم من أن مصدراً أمنياً أكد عدم وجود أى علاقة بين تحذيرات بعض السفارات الأجنبية وأى أحداث متوقعة، فإنه أشار إلى أن هناك خطة تشمل تأمين المنشآت العامة والخاصة والميادين والمبانى المهمة، مع انتشار الدوريات فى كافة شوارع العاصمة لمنع أى إخلال بالأمن، مؤكداً أن أى محاولة من أى فئة للخروج عن القانون ستواجه بكل حسم ودون تردد.
إذاً المؤامرة تكتمل خيوطها يوماً بعد يوم، وتتضح صورتها من خلال أفعال تستهدف تنفيذ المخطط وفق حلقات محكمة؛ فبعد الفشل فى محاولة إنقاذ حكم جماعة الإخوان كان هناك التحريض على أعمال العنف، ورفض إدراج الجماعة ضمن المنظمات الإرهابية.
وبعد تصاعد لغة التحريض الإعلامى وفشلها فى النيل من معنويات المصريين، جاء الدور على الحصار الاقتصادى وضرب السياحة والتشكيك فى الجيش المصرى والتحريض ضده.
ورغم فشل كل هذه الأساليب لم يرتدع الأمريكان وحلفاؤهم، بل سعوا إلى الصدام المباشر، فكان هذا البيان التحذيرى واحداً من آليات الصدام التى تحوى تحريضاً سافراً ضد أمن البلاد، ومن ثم فلن يكون هو الخيار الوحيد!
السؤال المطروح: متى تُستخدم القوة الناعمة لمواجهة المؤامرة السافرة؟ متى يتوقف البعض عن العزف بنفس اللغة من أبناء الوطن فى الداخل؟ ومتى يشعر كبار المسئولين والمثقفين والإعلاميين وبعض الغافلين أن تحذيرات «السيسى» عن المؤامرة والمخطط جد ولا هزل فيها؟!