"شح الأمطار" و"استنزاف مخزون السد".. تونس تعاني من "أزمة مياه"
صورة أرشيفية
يتفحص فتحي بالشيخ، العامل الفلاحي في منطقة دار الجمعية المجاورة لسد نبهانة بمحافظ القيروان بتونس، أشجار الزيتون الشاحبة وهي خالية من حباتها في موسم إثمارها نتيجة شح مياه الري.
وقال بالشيخ في حديث مع "الأناضول"، إن الجفاف الذي طال سد نبهانة في المحافظة، تسبب في بطالة الفلاح والعامل، وتراجع تحويل المنتجات الفلاحية إلى الأسواق المحلية والخارجية.
ما يتعرض له سد نبهانة بالقيروان، هو جزء من وضع عام في تونس نتيجة انحباس الأمطار في مواسم هطولها، التي تتغير حسب الفصول وحسب المناطق.
وما يعيشه الفلاحون من نقص في المياه وجفاف في الحقول من شمال البلاد حتى جنوبها، لم تشهده المنطقة منذ عقود "وبدا الأمر مفاجئا ومحزنا"، وفق ما صرح به محسن بن عون رئيس مجمع المياه "هيئة متطوعة تتابع تنظيم تزويد القطاع الزراعي بالمياه تحت إشراف وزارة الفلاحة".
وأوضح بن عون لـ"الأناضول"، أن الفلاح تحوّل بسبب الأزمة من منتج إلى عاطل عن العمل، وباحث عن مورد رزق في قطاع البناء، بعيدا عن الزراعة.
وتصنف تونس ضمن الدول التي تعاني فقرا في المياه؛ وسجلت حصة الفرد أقل من 500 متر مكعب من المياه سنويا، مقارنة مع 700 متر مكعب كمتوسط عالمي، وهو ما تعتبره منظمة GIZ الألمانية غير الحكومية، التي تشرف على دراسة استغلال الماء في تونس، قليلا.
وعن أزمة سد نبهانة، اعتبر بن عون أن من بين أسباب الوضع الراهن، هو الإفراط في استغلال مياه السد للتوسع العشوائي في المنطقة الزراعية المروية في القيروان من 1662 هكتار إلى 2200 هكتار، "أي توسع نحو 600 هكتار دون أن يتم التصدي له من طرف الوزارة".
وفي تصريحات إعلامية حديثة، حذر وزير الفلاحة السابق سعد الصديق، من أنه "إذا لم تشهد البلاد هطولا للأمطار خلال الشهر الجاري، فسيكون ذلك كارثيا على السدود وعلى حاجة البلاد من مياه الشرب، وستضطر الدولة لتقسيط مياه الري وتسجيل انقطاعات وخفض في تدفق مياه الشرب".
وبحسب إحصاءات رسمية، يوجد في تونس 34 سدا بقدرة تخزين تبلغ 1.9 مليار متر مكعب، ويعتبر سد "وادي الكبير" قرب العاصمة تونس، أول سد تم بناؤه في العام 1928 في عهد الاستعمار الفرنسي.
وبلغ مخزون المياه في السدود حتى نهاية أغسطس الماضي، نحو 760.8 مليون متر مكعب، مقابل 1212.5 مليون متر مكعب خلال الفترة المناظرة من 2013.
ويبلغ حجم الاستهلاك السنوي من المياه في تونس، نحو 4.88 مليار متر مكعب، بحسب أرقام وزارة الفلاحة.
وأوقفت وزارة الفلاحة، ضخ المياه من سد نبهانة الذي أنشيء في العام 1965 في منطقة جبلية شمال مدينة القيروان، منذ يونيو الماضي، وهو أحد الحلول الذي اتخذته دوائر القرار لحماية السد نفسه من الجفاف والتشققات التي يمكن ان تسبب تشققات بنيوية.
المزارعون المجاورون للسد بمنطقة السبيخة، نفذوا عدة احتجاجات ضد القرار، وأغلقوا الطرقات في عديد المناسبات من أجل لفت الانتباه إلى تداعيات غلق السد الذي يساوي العطش وموت المزروعات، وتوقف قطاعات واسعة من النشاط الفلاحي.
وبحسب تصريحات رئيس لجنة الفلاحة بالبرلمان التونسي، الهادي صولة "من كتلة حركة النهضة" لـ"الأناضول": "يسقي سد نبهانة مساحة 7110 هكتارا، تمتد لخارج القيروان من المزروعات المروية إلى محافظات أخرى، مثل سوسة (شرق) بنحو 2500 هكتار والمنستير (شرق) بـ2700 هكتار، والمهدية (شرق) بـ250 هكتار، إلى جانب القيروان (بين 1660 و2220 هكتار).
وأضاف صولة لـ"الأناضول"، أن استنزاف الموارد المائية لم يراع التغيرات المناخية وانحباس الأمطار في مواسم نزولها، علاوة على التبخر ووجود تسربات لمياه سد نبهانة، أدت الى تراجع احتياطي السد الى أدنى مستوياته.
وأكد عبدالعزيز الشريف مدير عام السد، أن مخزون السد بلغ أدنى مستوياته في سبتمبر الحالي إلى 1.9 مليون متر مكعب، في حين كان المخزون عند إغلاقه في يونيو الماضي 2.4 مليون متر مكعب، ما يعني خسارة نصف مليون متر مكعب أخرى في ظرف شهرين نتيجة عوامل التبخر ووجود تسرب لمياه السد".
ويوضح الشريف أن الهدف من إنشاء السد، أساسا لحماية القيروان من الفيضانات، ثم في مرحلة ثانية تزويد المزروعات المروية بمياه الري. ولم يتم استغلاله في مياه الشرب سوى بين سنتي 1999 و2000.
ونجح السد في صد فيضانات في العام 1969 التي شهدتها محافظة القيروان، وتم حينها تعبئة 87 مليون متر مكعب، وهي طاقة استيعاب السد؛ غير أن غياب الصيانة طيلة نصف قرن قلصت طاقة خزنه إلى 28 مليون متر مكعب.
"السد دون مياه هو مشكلة كبيرة وخطر يهدد المياه الجوفية وأثره الاقتصادي والاجتماعي كبير على جميع الأصعدة"، بحسب مدير السد، وزاد: "حاليا تم إغلاق السد لحمايته من التشققات مع غياب المياه".
وتحدث المعتمد الأول "نائب المحافظ" في القيروان بسام الشريقي، لـ"الأناضول"، عن حزمة من الحلول العاجلة للتعاطي مع الظرف الحالي، منها اللجوء الى آبار عميقة بالمنطقة تم تخصيصها كمخزون استراتيجي، يتمثل في 6 أماكن ضخ وتوفير صهاريج متنقلة.
وتابع الشريقي، أن الهدف من ذلك "ضمان سقي الأشجار والحفاظ على الثروة النباتية"، وفق روزنامة تداول بين الفلاحين.
كما أشار الشريقي إلى حلول وصفها بـ"العميقة" لمعاجلة حالات الجفاف، وهو مشروع جلب فوائض مياه الشمال، وقال: "المشروع ما يزال في طور الدراسة، مستشرفا فوائده على وسط البلاد".
وأدت الطبيعة المناخية لتونس التي تعد بيئة شبه جافة، إلى تذبذب مياه الأمطار من سنة لأخرى من مكان لآخر، ولا يزيد معدل كمية الأمطار الهاطلة في السنة عن 100 ملم في أقصى الجنوب، ويصل إلى 1500 ملم في أقصى الشمال الغربي بحسب وزارة الفلاحة.
وأدى التذبذب في هطول الأمطار من منطقة لأخرى، إلى إلحاق ضرر في الزراعات البعلية "المطرية" التي تمثل 92% من المساحة الإجمالية للأراضي الزراعية، بينما تستهلك الزراعة سنويا نحو 80% من إجمالي الاستهلاك السنوي في البلاد.
ومؤخرا برزت في البلاد مهنة جديدة، وهي بيع المياه عبر الصهاريج، يتنقل بها السائقون إلى المناطق التي أصابها العطش، ويشتري الفلاحون المياه لتلبية حاجة مزروعاتهم.
وبحسب وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية "حكومية"، تساهم الفلاحة بنسبة 12% من الناتج الداخلي الخام، وتشغل ما يزيد عن 16% من اليد العاملة.