أسرة «غريق تيران»: «محمد عاد هيكلاً عظمياً بعد 8 سنوات غربة بالسعودية»
القتيل
توجه للعمل بالدول العربية بحثاً عن مستقبل أفضل، إثر تعثره فى الحصول على فرصة عمل بمسقط رأسه فى محافظة الشرقية، سافر حاملاً الأمل فى حياة أفضل، ولم يعلم أن رحلته ستنتهى بموته، لتدفن أحلامه فى «بدلة غطس» عقب محاولته الفرار من السجن بعد أن طالبه كفيلة السعودى بمبلغ مليون ريال.
«محمد سعد محمود»، 37 عاماً ابن مدينة «ههيا» بمحافظة الشرقية، مثله مثل الكثير من الشباب، الذين يطلق عليهم «مطاريد لقمة العيش»، بعد أن فشل فى الحصول على وظيفة تدر له دخلاً مناسباً فى بلده، سافر للسعودية متحدياً مرارة الغربة لعلها تقيه آلام الجوع والحرمان، إلا أنه فقد كل ما يملك بعد تعرضه لوعكة صحية، أصبح على أثرها مداناً بمبلغ مليون ريال للكفيل، ولم يكن أمامه سوى السجن أو الرحيل هرباً، عبر السباحة فى البحر ليلقى مصرعه بعد 8 سنوات كامله قضاها فى العمل ليلاً ونهاراً ليؤمن مستقبل أفراد أسرته.
والدته: ابنى هرب من الكفيل خوفاً من السجن بعد مطالبته بمليون ريال.. وأخباره انقطعت منذ يوليو من العام الماضى حتى عثروا على جثمانه فى الجزيرة
فى صالة داخل منزل متواضع بمدينة «ههيا»، التفت السيدات حول «سميرة محمد على يوسف»، 60 عاماً، والدة الضحية محمد، لتقديم واجب العزاء ومؤازرتها، وبصعوبة بالغة قالت الأم المكلومة: «فقدت ابنى مرتين، مرة لما أتغرب، ومرة لما رجع قتيل هيكل عظمى، الغربة وحشة، يمكن لو كان معانا وحصل له أى مشكلة كنا وقفنا جنبه وساعدناه، محمد كان أكبر أبنائى وكان ظهرنا وسندنا، أول ما حصل على دبلوم التجارة حاول يبحث عن فرصه عمل جيدة ولكنه لم يجد، فالتحق بمعهد السياحة والفنادق وقرر السفر لدولة الأردن ومكث بها 6 سنوات، ثم عاد وتزوج من إحدى الفتيات وأنجبا ابنهما الوحيد «إبراهيم» والذى يبلغ من العمر حالياً 7 سنوات».
وأردفت أنه قرر السفر للمملكة العربية السعودية، بعد ولادة ابنه الأول، واشتغل عامل بياض لمدة 8 سنوات، وقبل عام قرر أن يعمل فى مجال المقاولات وأسندت له عملية بناء عقار إلا أنه أصيب بوعكة صحية اضطر على أثرها دخول المستشفى التى قضى فيها فترة طويلة، وخلالها طلب من صديقه متابعة عملية البناء إلا أن صديقه لم يراع الله فى عمله واستخدم مواد بناء غير مطابقة للمواصفات وعند الانتهاء من تشييد العقار وتسليمه للكفيل السعودى الذى يعمل نجلى لديه، رفض التسلم بعدما قرر أحد المهندسين أن المبنى غير مطابق للمواصفات».
واستطردت قائلة: «اتصل بينا وأخبرنا بالمشكلة وأن الكفيل طالبة بمليون ريال وأصر على موقفه بعد ما فشل فى إقناعه أن عملية البناء تمت من دون إشرافه وأن ما حدث خطأ صديقه، وحاول الهرب من السعودية، واتصل بشقيقه وأخبره بأنه سيستقل سيارة ثم يغادر ويسبح فى المياه من جزيرة تيران حتى يصل لشرم الشيخ وكان ذلك فى 31 يوليو 2015، وكان آخر اتصال مع شقيقه فى هذا اليوم، حيث أخبره بأنه اقترب من جزيرة تيران وطالبه بأن ينتظره حسب الاتفاق»، لافتة إلى أنهم عارضوا فكرته ونصحوه بألا يهرب، ولكنه لم يستجب لهم خوفاً من السجن وتشرد أسرته.
وأشارت إلى أنه منذ هذا التاريخ وطوال الشهور السابقة لم يعلموا عنه أى شىء بعدما انقطع الاتصال معه، مؤكدة أن شقيقه تقدم بعدة بلاغات لمباحث شرم الشيخ للبحث عنه دون جدوى حتى تم العثور على جثمانه مرتدياً بدلة غطس بعد أن تحول إلى هيكل عظمى، وتابعت: «ياريت الحكومة توفر فرص عمل كويسة للشباب، ومش تخليهم يضطروا للغربة ويرجعولنا جثث» وأجهشت فى البكاء وهى تردد: «ابنى مات فى الغربة وغيره كتير ماتوا متغربين، مش عاوزة أمهات تانيه تحس بالنار اللى أنا فيها». كان اللواء أحمد طايل، مدير أمن جنوب سيناء، تلقى إخطاراً من قوات حرس الحدود، بالعثور على جثة الشاب «محمد سعد محمود»37 عاماً من مركز ههيا بمحافظة الشرقية فى جزيرة تيران، وتبين بأن أسباب الوفاة ترجع إلى الإرهاق الشديد من السباحة والجوع والعطش الذى أصاب الشاب بعد أيام من وجوده على الجزيرة، كما تلقت مباحث شرم الشيخ بلاغاً من شقيق المتوفى منذ شهور يفيد بهروب شقيقه من الكفيل السعودى إلى جزيرة تيران مشيراً إلى أنه كان متواصلاً مع شقيقه عن طريق الموبايل، ثم فقد الاتصال بعد نفاد شحن التليفون المحمول وبحثت الشرطة وقوات حرس الحدود عنه فى الجزيرة بعد بلاغ شقيقه، ولم تتوصل إليه حتى عثر على جثته وهى هيكل عظمى.