«المدارس الخاصة» فى المنوفية: طلاب بين «زحام» المدارس الحكومية و«نار» مصروفات الخاصة
تلاميد إحدى مدارس المنوفية خلال حصص الأنشطة
رغم التعداد السكانى الضخم لمحافظة المنوفية، الذى يقترب من 4 ملايين نسمة، فإن تجربة أبناء المحافظة مع التعليم الخاص ليست بالكبيرة، حيث يوجد بها نحو 40 مدرسة خاصة فقط، تتنوع بين عربى ولغات، لخدمة أبناء المحافظة ممن يبحثون عن «تعليم أفضل» لأبنائهم، فى مواجهة مئات المدارس الحكومية، وعشرات المدارس التجريبية، التى تشهد إقبالاً كبيراً من أولياء الأمور لإلحاق أبنائهم بها.
وكباقى المدارس الخاصة بمختلف محافظات الجمهورية، تحولت العملية التعليمية إلى «بيزنس» لاستغلال أولياء الأمور وتحقيق أكبر مكاسب على حسابهم، من خلال فرض رسوم ومصروفات تعليمية مبالغ فيها، بالإضافة إلى زيادة أسعار الكتب، واشتراك الأوتوبيس، والزى المدرسى، والتبرعات، واشتراكات النشاطات، وفى المقابل تستعين هذه المدارس بمدرسين حديثى التخرج، وبمرتبات متدنية، مقارنة بالمستوى المادى وإمكانيات هذه المدارس، التى بدأت فى الانحدار، بعد أن كان بعضها يمثل تجارب رائدة، حيث زادت بها كثافة الفصول إلى مستويات غير مقبولة، وهو أحد الأسباب الرئيسية التى دفعت بالعديد من أولياء الأمور إلى «الهرب» من التعليم الحكومى، كما توجد بعض المدارس الخاصة فى «أماكن خطرة»، على أحد الطرق السريعة مثلاً، أو فى مناطق تحاصرها القمامة ويسيطر عليها الخارجون عن القانون، كما هو حال بعض المدارس بمدينة شبين الكوم، الأمر الذى يشكل مصدر قلق دائم لأولياء الأمور.
أولياء أمور: كثافة فصول المدارس الخاصة تجاوزت 50 طالباً.. ووكيل الوزارة: التعليم الخاص جناح مهم وبعض المدارس الحكومية ما زالت أفضل
وقالت «إسراء طارق»، من أهالى مدينة شبين الكوم: «ابنتى التحقت بالمدرسة الأمريكية للغات، التى تقع بالقرب من مدخل قرية ميت خلف، بالرغم من المبالغ الباهظة التى يتم تحصيلها سنوياً، والتى تصل إلى 15 ألف جنيه، إجمالى ما يتم دفعه سنوياً من مصاريف دراسية، إلى كتب مدرسية، والزى، والأوتوبيس المدرسى، إلا أن ذلك لا يساوى شيئاً أمام المستوى السيئ الذى وصلت إليه المدارس الحكومية». وأضافت أنها فضلت التعليم الخاص بالرغم من المصاريف المرتفعة لابنتها بالمرحلة الابتدائية، إلا أنها فى المقابل لمست تدنياً تعليمياً وأخلاقياً فى كثير من المدارس، وهو ما دفعها إلى إلحاق ابنتها بمدرسة لغات خاصة.
وأضافت أن هناك بعض المشاكل التى يعانى منها أولياء أمور الطلاب بالمدارس الخاصة، أهمها ارتفاع المصاريف الدراسية، بالإضافة إلى المصاريف شبه الإجبارية التى يتم تحصيلها، مشيرة إلى أن المدرسة اتفقت مع «ترزى» لتفصيل الزى المدرسى للتلاميذ اختيارياً، ولكن بمواصفات خاصة، وبشعار المدرسة، وبتكلفة عالية، وخامات رديئة، تصيب بعض الطلاب بالحساسية، بينما جعلت فى المقابل البديل صعباً بتفصيل الزى المدرسى بعيداً عن نطاق ذلك «الترزى»، الذى تم الاتفاق معه، بالإضافة إلى أن بند الأوتوبيس المدرسى وحده يتكلف أكثر من 3 آلاف جنيه سنوياً، وأضافت أن هذه المصروفات تشهد زيادة سنوية ثابتة. وفى نهاية حديثها أكدت «إسراء» أن «المدارس التجريبية فى بدايتها أثبتت نجاحاً كبيراً، ولكن مع البيروقراطية ومرور سنوات على إنشائها، أصبحت فى طريقها إلى أوضاع المدارس الحكومية المتردية، وأصبحت المدارس الخاصة هى السبيل الوحيد لتعليم جيد لأبنائنا».
أما أحمد الهلباوى، ولى أمر 3 تلاميذ فى مرحلتى رياض الأطفال والابتدائية بإحدى المدارس الخاصة بمدينة شبين الكوم، فقال إنه لجأ للتعليم الخاص بحثاً عن الجودة والاهتمام والمتابعة من جانب المدرسين، والتواصل بشكل دورى مع أولياء الأمور، ورصد المشاكل، سواء النفسية أو التعليمية، التى تعوق عمليات التحصيل، والعمل على حلها، بالتعاون بين البيت والمدرسة. وأضاف: «رغم ارتفاع تكاليف التعليم الخاص، مقارنة بالتعليم الحكومى، لكن الفرق فى الجودة والاهتمام، يجعل الطفل محباً للدراسة، وينتظر بدء العام الدراسى والاندماج فى النشاطات المختلفة، بعكس التعليم الحكومى الملىء بالمشاكل، سواء الكثافة العالية، أو التدنى الأخلاقى فى بعض المناطق، التى تؤثر بالسلب على المستوى العلمى والأخلاقى للطفل مع بداية تشكل وجهة نظرة تجاه المجتمع». وأضاف: «لا أفضل التعليم بمدارس اللغات أو المدارس الدولية، حيث إن الإسراف فى تعليم التلاميذ جميع المواد بلغات أجنبية يجعله لا يجيد لغة دينه ووطنه، ويعمل بشكل ما على طمس هويته»، وتابع قائلاً: «أبناء بعض أقاربى التحقوا بمدارس لغات، ولم يتمكنوا فى بعض الأحيان من كتابة أسمائهم باللغة العربية، وهو شىء محزن». وأضاف أن هناك أنواعاً كثيرة من المدارس الخاصة تحولت أغلبها إلى مشاريع تبحث عن المكسب، وابتزاز أولياء الأمور، من خلال الزى المدرسى والنشاطات والأوتوبيس والتبرعات، لافتاً إلى أن هناك بعض «المؤسسات العريقة»، التى تبحث عن الجودة، ولكن السمة الغالبة على التعليم الخاص هى «البيزنس» لتحقيق الربح.
أما «منى دويدار»، طبيبة بمدينة «سرس الليان»، فقالت إنها سجلت طفليها فى إحدى المدارس الخاصة، أكبرهما فى المرحلة الابتدائية والصغرى فى «الحضانة»، وأضافت أن اللجوء للتعليم الخاص كان من أجل الحفاظ على المستوى التعليمى والأخلاقى لأبنائها، وأن المتابعة الدورية والتواصل المباشر بين المدرسين وأولياء الأمور أهم ما يميز التعليم الخاص حالياً، وبخصوص موضوع «الكثافة»، أضافت أن الكثافة فى المدرسة الخاصة بلغت نحو 50 طالباً، وهو رقم يقترب من كثافة الفصول فى التعليم العام، التى تصل فى بعض الفصول إلى 70 طالباً، وأضافت أنها بدأت مؤخراً تواجه بعض المشاكل من السلوكيات الخاطئة، التى يكتسبها ابنها من زملائه بالفصل.
من جانبه، أكد وكيل وزارة التربية والتعليم بالمنوفية، الدكتور عبدالله عمارة، أن لجوء أولياء الأمور للتعليم الخاص، لسببين هما زيادة كثافة فصول التعليم العام، والآخر أن هذه المدارس تتغاضى عن شرط السن، وتقبل التلاميذ أقل فى العمر عاماً كاملاً، وهو ما لا يُسمح به فى التعليم العام، مضيفاً أن «التعليم الخاص هو جناح آخر من أجنحة التعليم فى مصر، ويساهم فى التقليل النسبى لكثافة الفصول بالمدارس»، وعلق «عمارة» على تفوق التعليم الخاص من حيث الجودة، قائلاً: «عندى مدارس كتير فى المحافظة، تعدى مستواها الكثير من المدارس الخاصة»، مشيراً إلى أن المديرية تمارس رقابة مالية وإدارية وفنية على جميع المدارس الخاصة، وأن إدارات هذه المدارس لا تستطيع زيادة المصروفات جنيهاً واحداً خارج اللوائح والقوانين المنظمة، وأنه فى حالة مخالفة تلك اللوائح يتم وضع المدرسة تحت الإشراف المالى والإدارى، ورد المبالغ المحصلة بدون وجه حق إلى أولياء الأمور.
كما أكد مدير عام التعليم الخاص بالمديرية، عبدالعزيز محفوظ، أن المنوفية بها 40 مدرسة خاصة، موزعة على مختلف المراكز، وأن الزيادة السنوية المقررة تكون فى حدود 10%، وأى شكاوى من أولياء الأمور بخصوص المصروفات يتم التحقيق فيها، وتوجيه إنذار إلى مجلس إدارة المدرسة، ورد المبالغ إلى أصحابها، وإذا لم تمتثل إدارة المدرسة للقرارات، يتم رفع توصية بوضع المدرسة محل الشكوى تحت الإشراف الكامل مالياً وإدارياً، بحد أدنى 3 أشهر وأقصى سنة، لإنهاء المخالفات محل الشكوى، ويمكن تجديد فترة الرقابة بقرار من المحافظ، إذا ثبت استمرار تلك المخالفات.