فريق الفيزياء المصرى.. علماء ولكن منسيون
الطلاب أثناء الفوز بالجائزة
لم يكن سفر العالم الجليل الدكتور أحمد زويل فى بداية حياته طلباً للعلم فقط، ولكنه أيضاً كان هروباً من مناخ طارد للعقول المبدعة التى ترغب فى أن تحلق بجناح العلم والإبداع، عشرات السنوات مضت منذ قرر «زويل» الرحيل ليعود بعدها مرفوع الرأس حاملاً لمصر على يديه جائزة علمية عالمية وهى «نوبل فى الكيمياء»، إلا أن كل تلك السنين التى مرت، والحكومات التى تعاقبت لم تغير فى واقع التعامل المصرى مع العقول النابغة ولم تحرك فيه ساكناً.
قصة تلخص مدى عدم الاهتمام بالعقول الصغيرة النابغة، أبطالها الفريق المصرى فى أولمبياد الفيزياء لعام 2016، وهذا الأولمبياد بدأه العالم منذ ما يقرب من 47 عاماً يشارك فيه حوالى 108 دول، وهو مسابقة سنوية فى الفيزياء لطلاب المدارس الثانوية. ويعتبر أحد مسابقات الأولمبياد الدولى للعلوم، لكن مصر لم تشارك فيه سوى العام الماضى فقط، وفى تلك المرة الأولى لم يحصل المشاركون على أى ميداليات، إلا أنه فى العام التالى تمكن اثنان من المشاركين من الحصول على ميداليتين برونزيتين ليرفعا علم مصر عالياً دون أن يكون لوزارة التربية والتعليم المصرية دور فى تدريب ومتابعة الطلبة من قريب أو بعيد.
طلاب ثانوى يشاركون فى أولمبياد الفيزياء ويحصدون جائزتين برونزيتين.. و«التعليم» آخر من يعلم
المشاركة المصرية ربما حتى لا تعلم عنها الحكومة شيئاً حتى الآن، فقد كانت منذ البداية بمبادرة من طلبة عشقوا الفيزياء ودرسوها وتعمقوا فيها عبر كورسات حصلوا عليها على الإنترنت، قرر الطلبة المشاركة فى الأولمبياد حينما سمعوا عنه صدفة داخل مدرستهم «المتفوقون للعلوم والتكنولوجيا» بمدينة 6 أكتوبر.
يروى مهند محمد أمين، قصة مشاركته فى الأولمبياد قائلاً «عندما سمعنا عن الأولمبياد تقدمنا بطلبات للمشاركة وبالفعل مررنا بمجموعة اختبارات عبر الإنترنت كان يتم تصفية الطلبة فيها بكل مرة، أما آخر اختبار للالتحاق بالمسابقة فقمنا به فى مؤسسة الألفى وهى مؤسسة تهدف إلى رعاية الطلاب المتفوقين فى مجال العلوم والرياضة وهى التى قامت برعاية الطلبة الذين شاركوا فى الأولمبياد».
يتابع «مهند»: «المشاركين من كل دول العالم واللى كانوا أكتر من 500.. بيتنافسوا وبيتقسموا لـ50% أوائل و50% تانيين فى امتحان من 50 درجة فى امتحان فى مستويات متقدمة للفيزيا.. وتقسيم الميداليات بيكون كالآتى: أول 8% من الـ50% الأوائل.. واللى كانوا السنة دى جايبين 40 من 50 خدوا دهب.. واللى جابوا من 30 لـ40 من 50.. خدوا فضة.. واللى جابوا من 22.7 لـ30 من 50 خدوا برونز.. وآخر ناس اللى خدوا من 17.5 لـ22.7 خدوا حاجة اسمها إهداء المشاركة المتميزة».
محمد أحمد الشرنوبى أحد الحاصلين على ميدالية برونزية فى الأولمبياد يقول «عندما تحدثنا مع طلبة من الصين وكوريا كانوا مشاركين فى الأولمبياد قالوا لنا إنه يتم تدريبهم وتحضيرهم للمسابقة منذ ثلاث سنوات، أما نحن الطلبة المصريون فلم يتم تحضيرنا إلا فى ثلاثة شهور من خلال مؤسسة خيرية وعن طريق دورات تدريبية متقطعة أى مرة كل أسبوع أو عشرة أيام».
يتابع «محمد»: «نفس اللى حصل مع الدكتور أحمد زويل هو اللى بيتكرر مع أى عقول نابغة فى مصر حتى الآن، فالبحث العلمى فى مصر ميّت من زمان، والدليل على ذلك أن وزارة التربية والتعليم المصرية لا تعلم شيئاً عن الأولمبياد أو عن المتسابقين ولم ترعهم أو تكرمهم بعد عودتهم، أما وزارات التعليم فى الدول المشاركة فعلمنا من زملائنا المشاركين أن كل وزارة منهم داخلها قسم مخصص للاهتمام بكل الشئون التى تخص الأولمبياد، بل إنهم يختارون الطلبة المتفوقين من المرحلة الإعدادية ويعطونهم اهتماماً خاصاً ليكونوا علماء المستقبل».
الطلبة: ذاكرنا عبر الإنترنت وسافرنا على نفقة مؤسسة خيرية ولم يكرّمنا أى مسئول و«الشرنوبى»: البحث العلمى فى مصر مات من زمان وما حدث مع «زويل» يتكرر معنا
أما عن سامى فراج -17 عاماً من بنها- فهو أحد الفائزين بالميداليتين، فيقول «أنا بدأت طريق الفيزيا بحبى للرياضيات.. وبدأت أدور فيها.. لحد ما ربنا وفقنى وسافرت مرتين لأولمبياد الفيزيا.. أول مرة فى 2015 كانت فى الهند والسنة دى كانت فى سويسرا والحمد لله ربنا وفقنى وجبت ميدالية برونزية».
«أكتر مشكلة قابلتنا كانت مشكلة الإعداد قبل المسابقة وده كان بسبب ضيق الوقت وقلة الموارد»، وعن إعداد الدول الأخرى استكمل سامى الحديث: «الدول المتقدمة بتدى أولمبياد العلوم اهتمام خاص وخصوصاً دول جنوب شرق آسيا زى كوريا والصين.. الدول دى بتلم الطلبة اللى سنهم صغير ولاحظوا فيهم نبوغ ويبدأوا يدربوهم ويعلموهم ويذاكروا لهم عشان يكونوا مستعدين للأولمبياد.. وفى الفترة دى الإعداد ممكن ياخد شهور فى معسكرات مغلقة مع تجهيزات خاصة للنظرى والعملى، وعرفنا أن بعض الطلبة تم تجهيزهم للأوليمبياد من 3 سنين».
أما عن حلمه فيقول سامى «أنا بإذن الله عاوز أدرس فيزيا أو هندسة ميكانيكا وطيران.. ولو ربنا موفقنيش وماعرفتش أجيب منحة لأسباب مادية أو غيرها فهدرس هنا فى مصر هندسة ميكانيكا أو هندسة طيران».
دكتور أحمد فرج على، المدرس بقسم الفيزياء بكلية العلوم بجامعة بنها، كان المسئول عن تدريب الطلبة ورافقهم إلى سويسرا حيث أقيم الأولمبياد، يقول «تواصل معى أحد المسئولين فى مركز يسمى (إيديال جيم) وطلبوا منى تدريب مجموعة من الطلبة لتحضيرهم للمشاركة فى أولمبياد الفيزياء فوافقت على الفور، وبعدما تم تصفية المتقدمين إلى 5 طلاب فقط بدأنا التدريب ولمدة ثلاثة شهور وهى بالطبع مدة غير كافية، وبرغم ذلك فإن الطلبة تمكنوا من أن يحصدوا ميداليتين برونزيتين فى أولمبياد شارك فيه ما يقرب من 500 طالب من 11 دولة».
وأنهى «فرج» حديثه قائلاً «يجب أن نعطى مزيداً من الاهتمام بالعقول المصرية النابغة لأنهم وقود المستقبل، وأن نوفر لهم المناخ والإمكانيات المطلوبة، فالطلبة كانوا يحتاجون على سبيل المثال مزيداً من التدريب العملى، ولكن هذا كان غير متاح بالقدر الكافى تماماً».
وأنهى حديثه قائلاً «الطلبة حصدوا الميداليات الشهر الماضى ولم يكرمهم أحد أو يهنئهم أى مسئول حتى ولو بكلمة يشجعهم بها، بل ما حدث أن بعضهم حصل على منح تعليمية ليسافر ويكمل تعليمه بالخارج، أى أن التكريم للأسف جاء من خارج بلدهم الأم».