من كتاب "مخرج على الطريق".. "خان" يكشف آليات السينما الجيدة وحقيقة "الصحبة"
محمد خان
عبر 600 صفحة حملت مقالات لا غنى عنها لأي ناقد من نقاد السينما أو محبيها، فهي تحمل الكثير من هموم هذه الصناعة، ومشكلاتها التي لا تنتهي، بل تحمل العديد من الحلول التي من الممكن أن تنهض بهذه الصناعة المهمة والقومية، قدَّم المخرج محمد خان خلاصة مشواره الفني الطويل بالسينما، من خلال مقالاته التي كتبها ونشرها في الفترة من 1990 حتى 2015 في عدة صحف هي "الحياة، والقبس، والقاهرة، والدستور المصرية، والتحرير"، في كتابه "مخرج على الطريق".
الكتاب أصدرته دار "الكتب خان" للنشر، في نوفمبر الماضي قبل 8 أشهر فقط من وفاته في الساعات الأولى من صباح اليوم الثلاثاء 26 يوليو 2016، ففي مقالته الأولى "تشخيص الداء قبل الدواء"، تحدث "خان" عن أهم المشكلات التي تواجهه كأحد صناع السينما، وهي مشكلة الإنتاج والميزانية المخصصة لصناعة الفيلم، وخاصة أن أجور نجوم الصف الأول تأكل أكثر من ميزانية الفيلم، وهنا يبقى أمام المنتج نصف الميزانية فقط التي لا بد أن تغطي كل الأجور، بالإضافة إلى تكاليف الخامات والتحميض والطبع ومواد الدعاية وغيرها مما تحتاجها صناعة الفيلم، واعتبر أن ذلك من أهم الأسباب الرئيسية في انهيار الطاقة الإنتاجية في صناعة السينما، وأن هؤلاء لنجوم الذي يسعون إلى مضاعفة أجورهم كانت أفلامهم فاشلة، مستشهدا بمقولة أحدهم: "أنا حارفع أجرى كل ما يقع لي فيلم".
وحاول طرح أحد سبل تخطي تلك الأزمة من خلال البحث عن مواهب جديدة بدلا من الاعتماد الدائم على الوجوه الثابتة التي تتضخم ذواتها مع تضخم الإقبال عليها، ما يؤدي إلى فشل الصناعة بالكامل، وقدم اقتراحا آخر هو السماح للبنوك المصرية بمعاملة صناعة السينما معاملة خاصة في شكل فوائد مخفضة، تشجع المنتج المحترف على العودة إلى الساحة وإتاحة الفرص أمام المواهب الجديدة.
وفي مقالته الثانية "فن وتجارة ونقطة التلاقي"، حاول "خان" الأسباب التي قد تجعل مخرجا يفهم آليات السينما بشكل جيد، لكنه قد يقدم شيئا من التنازلات الفنية في فيلمه بسبب الضغط الكبير عليه، قائلا: "إنه في أغلب الحالات يفقد المخرج السينمائي 50% من طاقته الإبداعية قبل أن يبدأ تصوير أول لقطة للفيلم، يليها 25% تُستنزف أثناء التصوير ومراحله اللاحقة، وهنا لا يتبقى له من طاقته وحماسه من أجل صناعة فيلمه سوى 25% فقط من هذه الطاقة المستنزفة، فهو يحاول أثناء الإعداد للفيلم إقناع جميع عناصره بكل شيء قبل إقناع نفسه هو بأهمية وضرورة صناعة هذا الفيلم، بداية من صاحب الرواية إلى السيناريست، مرورا بالرقيب والمنتج، وصولا إلى الممثلين إلى مدير التصوير، إلى المونتير وغيرهم من عناصر الصناعة، ومن ثم لا يتبقى له من طاقته شيئا في نهاية الأمر".
وتابع: "ويرد هذا الاستنزاف في نهاية الأمر إلى عدم وجود منتج فني حقيقي، وهو الأمر الذي دفع العديد من صناع السينما للجوء إلى الإنتاج بأموالهم الشخصية بالتعاون مع بعضهم البعض من ممثلين ومخرجين، كي يُخرجوا لنا في النهاية فيلما سينمائيا جيدا يحاول الحفاظ على التوازن بين فكرة الصناعة، والتجارة، والفن، لأن السينما في نهاية الأمر مزيج متداخل بين هذه الأمور الثلاثة، ولا يمكن الاستغناء عن أي طرف من أطراف هذا المثلث المهم".
واستعرض "خان" عددا من منتجي أفلام الثمانينيات، الذين كان أغلبهم أبطال الأعمال الفنية نفسها، فضلا عن عدد من المنتجين الجدد الواعدين الذين ظهروا في تلك الفترة "وهم أقل من أصابع اليد الواحدة" على حد قوله، إلا أنهم استسلموا للسينما المعلبة التي وصفها بأنها رخيصة التكلفة وسريعة التنفيذ ومكتفية بالتوزيع التقليدي ولا تمت للفن بأي صلة.
ولفت في مقاله إلى شركة الإنتاج "صحبة" التي أسسها مع السيناريست بشير الديك والمونتيرة نادية شكري والمخرج عاطف الطيب، في الثمانينيات لإنتاج فيلم "الحريف"، إلا أنها لم تتمكن من الاستمرار بسبب عدم وجود شريك منتج وانشغال كل شريك بأعمال أخرى ما شل من حركتها ولكنها لم تخفق تجاريا.
بينما في "تهمة المهرجانات"، تحدث المخرج الراحل عن أسباب ندرة وجود المخرجين الفنيين الذين يدركون آليات الصناعة السينمائية وأهميتها الفنية، وهو ما يدفع العديد من المنتجين إلى رفض الكثير من الأفلام باعتبارها أفلام مهرجانات، موضحا: "بمعنى أن الجمهور العادى لن يتلقى هذه الأفلام تلقيا جيدا، ومن ثم بالضرورة سيؤدى ذلك إلى عدم نجاح الفيلم تجاريا ليحقق المزيد من الأرباح التى يرغبونها، أي أنهم هنا يحاولون تغليب الجانب التجاري على الجانب الفني، ومن ثم يرفضون بعض الأفلام الجيدة فنيا باعتبارها فاشلة تجاريا، ويرجع السبب في ذلك إلى مجموعة من (الأرزقية) محدودي الموهبة، مثل صانعي الأفلام التي نجحت تجاريا ولم تحظ بأي تقدير فني، وهنا يتحدث (خان) عن أهمية المهرجانات ومفهومها، وضرورة وجود المنتج المثقف الذي يُقدر هذه الصناعة من حيث هي فن قبل أن تكون صناعة وتجارة ترجح ما هو تجاري فقط على ما هو فني".