التليفزيون يسقط أمام "فيس تايم" في الانقلابات.. وخبراء: أداة عفا عليها الزمن
أرشيفية
الثورات والانقلابات العسكرية، كانت طريق العديد من المعارضين لتغيير نظام الحكم والحياة السياسية في مختلف دول العالم، كبديل عن صناديق الاقتراع، ومنهم من نجح في تحقيق أهدافهم بتأييد شعبي، وآخرون فشلوا في ذلك على مر التاريخ، إلا أن جميع تلك المحاولات اشتركت في السيطرة على مباني الإذاعة والتلفزيون الرسمي لكل دولة، كان آخرها الانقلاب العسكري بتركيا، مساء أمس، وباء بالفشل.
خطى الانقلاب التركي الفاشل نفس الخطوات التي مرّ بها الانقلاب الفاشل الذي شهدته المغرب بالقصر الملكي، في 10 يوليو 1971 ، وعُرف بـ"انقلاب الصخيرات"، وتزعمه بعض الجنرالات العسكريين منهم الكولونيل أمحمد أعبابو والجنرال محمد المدبوح، لاغتيال ملك المغرب الملك الحسن الثاني، واقتحموا مبنى الإذاعة المغربية، وسيطروا عليه بعد أن قتلوا أفراد الحراسة، ثم دخلوا إلى الاستوديو حيث كان عبد الحليم حافظ يسجل أغنية خاصة بمناسبة احتفال "الحسن" بعيد ميلاده الثالث والأربعين، قبل أن ينجح الملك بإحكام سيطرته على الوضع، وإعاد الأمور إلى نصابها الطبيعي.
ورغم ذلك إلا أن السيطرة على محطة الإذاعة السورية كانت سبيل نجاح أول انقلاب عسكري في البلاد منذ الاستقلال، وفي الوطن العربي، بمارس 1949، حيث تمكن عدد ضخم من أفراد الجيش بقيادة حسني الزعيم من تطويق القصر الرئاسي ومبنى مجلس النواب والوزارات الرئيسية، وقطع الاتصالات السلكية واللاسلكية مع العالم الخارجي وأغلقت الحدود، واعتقال شكري القواتلي رئيس الجمهورية، على خلفية الانتقادات الضخمة التي وجهت للجيش السوري إثر هزيمته في حرب فلسطين وتردي الأوضاع السياسية بشدة في البلاد.
"من اللواء أركان الحرب محمد نجيب القائد العام للقوات المسلحة إلى الشعب المصري.. اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وإني أؤكد للشعب المصري أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور مجردا من أية غاية".. بهذا البيان الذي ألقاه الزعيم السابق محمد أنور السادات عبر الإذاعة الرسمية للبلاد، في 23 يوليو 1952، كتب شهادة نجاح للانقلاب الذي نظمه "الضباط الأحرار" بالجيش المصري، عُرف في البداية باسم "الحركة المباركة" ثم أطلق عليها فيما بعد ثورة 23 يوليو، بعد أن أنهت الحكم الملكي للبلاد وانتقلت إلى الحكم الجمهوري.
الأسلوب نفسه.. اتبعه القادة العسكريون في "انقلاب المذكرة" بتركيا، عام 1971 ، ضد الرئيس التركي الأسبق سليمان ديميريل، حيث أرسل الجيش مذكرة عسكرية إلى ديميريل طالبه فيها بالتنحي، وعلى إثر قراءة بيان الجيش عبر الإذاعة فضَّل "ديميريل" الاستقالة على المقاومة، وتحولت تركيا بعدها إلى نظام ما عرف بالثاني عشر من مارس.
وفي يونيو 1995، عقب مغادرة الشيخ خليفة بن محمد آل ثاني قطر إلى أوربا، قام ابنه الشيخ حمد الذي قبل يد والده أمام عدسات التليفزيون، بقطع البث عن تليفزيون قطر ثم عرض بيانه الأول الذي يعلن فيه انقلابه تبعها بصورا لوجهاء المشيخة وهم يقدمون البيعة له وإعلان توليه للبلاد.
الانقلاب التركي الفاشل الذي حدث أمس، شكل تغييرا في ذلك الأمر فرغم سيطرة قطاع من الجيش التركي على مقر التليفزيون الرسمي التركي، وإيقاف بث قناة "تي أر تي"، إلا أنه لم يكتب له النجاح، حيث تمكن الرئيس أردوغان من التواصل مع الوسائل الإعلامية عبر التطبيق الإلكتروني "فيس تايم" المجاني لشركة "أبل" وقام بدعوة الشعب إلى النزول والدفاع عن الديموقراطية في البلاد، وتمت تلبية دعوته وإسقاط الانقلاب.
مباني الإذاعة والتليفزيون الرسمية ذات أهمية شديدة فهي بمثابة "صوت الدولة" في القرن الماضي، حيث لم يكن هناك قنوات أو إذاعات خاصة في ذلك الوقت، لذلك فالسيطرة عليها كان أولى الخطوات التي تنتهجها الانقلابات لكونه يعتبر الوسيلة الوحيدة للاحتكار الإعلامي والسياسي للدولة، وفقًا لما قاله الدكتور ياسر عبدالعزيز، الخبير الإعلامي.
وأضاف عبدالعزيز، لـ"الوطن"، أن السيطرة على قنوات الإذاعة الرسمية كان أحد أهم القواعد الكلاسيكية للانقلابات العسكرية، قبل ظهور القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي المتعددة التي آلت إليها القوة مؤخرا، ما جعل السيطرة على مباني الإذاعة الرسمية ذات دلالة رمزية سياسية فقط ولكنها فقدت حتميتها، لذلك من الممكن أن ينجح أي انقلاب لا يسيطر على التليفزيون الرسمي.
وهو ما أيده فيه الدكتور عمرو هاشم ربيع، الخبير السياسي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أنه لم يعدّ للمباني الرسمية نفس الأهمية السابقة نتيجة التطور الإعلامي الضخم الذي شهده العالم، ما جعل وسائل الإعلام التلقيدية غير مؤثرة أو ناجحة، لقدرة القنوات الخاصة ومواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات الإلكترونية الحديثة التي سهلت التواصل بشكل أسرع وأسهل بين المواطنين في نفس الدول وخارجها، وتتمكن من التأثير بشكل أكبر وتغيير مسار الأمور، وذات أهمية كبرى بين الشباب القطاع الأكبر في أي دولة.