إمام الدعاة: البنا رفض الاحتفال بـ«سعد زغلول»
الشعراوى
فى المناظرة التى كانت بين الشيخ الشعراوى والدكتور حسين مؤنس تعرض الشيخ الشعراوى للمذاهب السياسية التى تنسب إلى الإسلام فقال: «لا تلونوا الماء حتى لا تفسدوه، ولا تلونوا الإسلام حتى لا تصنعوا منه شيئاً آخر، إذا تلون الماء لا يصبح ماء، فلا تلوّن الإسلام بأى مذهب، إن لونته فكأنما فرضت عليه».
وأما عن رأيه فى جماعة الإخوان وعلاقته بها فيقول:
«انضممت إلى الإخوان وأنا أزهرى وفدى، وبقى عندى شخصيتان، الوفدية وهى مسألة وطيدة، والأزهر حيث رأيت أناساً يدعون للدين، لكن حدث الخلاف، بما يؤثر على الشخصيتين، وأما بداية علاقتى بالإخوان فكانت عندما حضر الشيخ حسن البنا من الإسماعيلية إلى القاهرة، واتخذ أول مكتب خلف المدرسة السنية بالسيدة زينب، وكنا نلتقى فى هذا المكتب مع الشيخ أحمد شريت والشيخ أحمد حسن الباقورى، وكان يعجبنى فى الشيخ حسن البنا أنه كان قمة فى الدعوة إلى الله، وكان حافظاً للسيرة النبوية عن ظهر قلب، وكتبت أول منشور للإخوان بخط يدى، وأرسلناه للشيخ الباقورى لاستطلاع رأيه فأقره، وقال: «هو حد يقدر يقول بعدك حاجة، نحن لا ننسى موقفك وما تقوله فى الأزهر»، وكان مضمون المنشور: «إن الإسلام منهج الله، وإن الله -عز وجل- هو الذى خلق الإنسان، وإن الله أولى بأن يمنهج للإنسان غايته التى خلق من أجلها، وحركة حياته، وكيف يسوسها، وإننا نريد أن ننشئ شباباً مسلماً حقاً، وأن نعطى له مناعة ضد وافدات الحضارة المزيفة التى تريد أن تعزل الأرض عن السماء.. فالجأ إلى هذه الجماعة لتأخذ هذه المناعة»، وعندما قرأ «البنا» هذا المنشور قال: ما أجمل هذا السجع، وطبع الإخوان هذا المنشور ووزعوه.
ويقول الشيخ الشعراوى:
«فى عام 1938م أردنا الاحتفال بذكرى سعد باشا، حيث كنت أعتبر الاحتفال بذكراه هو احتفال بذكرى وطنية، وألقيت قصيدة امتدحت فيها زعماء الوفد، فغضب حسن البنا، وبعدها وفى جلسة مع مجموعة من الإخوان فيهم «البنا» لاحظت أن الحاضرين يتحاملون على النحاس باشا، ويقولون بمهادنة صدقى باشا، فاعترضت على ذلك وقلت: إذا كان من ينتسبون إلى الدين يريدون أن يهادنوا أحد الزعماء السياسيين ولا يتحاملون عليه أو يهاجموه، فليس هناك سوى النحاس باشا، لأنه رجل طيب وتقى ويعرف ربنا، والحكمة ألا نعاديه، ولكنى فوجئت بأحد الحاضرين يقول: إن النحاس باشا هو عدونا الحقيقى.. أعدى أعدائنا، لأنه زعيم الأغلبية، وهذه الأغلبية هى التى تضايقنا فى شعبيتنا، أما غيره من الزعماء وبقية الأحزاب فنحن «نبصق» عليها جميعاً فتنطفئ وتنتهى! كان هذا الكلام جديداً ومفاجئاً لى، ولم أكن أتوقعه، وعرفت أن المسألة ليست مسألة دعوة، وجماعة دينية، وإنما سياسية، وأغلبية وأقلية، وطموح إلى الحكم، وفى تلك الليلة اتخذت قرارى وهو الابتعاد، وقلت: سلام عليكم، ماليش دعوة بالكلام ده، قلتها بكل أدب، ابتعدت عنهم، وكان ذلك فى سنة 1938م تقريباً.
ويضيف إمام الدعاة الشيخ الشعراوى:
«ابنى سامى كان فى الإخوان، فقلت له بعد أن شاهدت التحول الذى طرأ على الجماعة: أنت أخذت خير الإخوان، فابتعد وحجم نفسك، لأن المسألة انتقلت إلى مراكز قوى وإلى طموح فى الحكم، وفعلاً سمع كلامى وابتعد، وما زال الإخوان متمعشقين فى حكاية الحكم».
ويضيف فضيلته: وقلت كلمتى، وأعلنت رأيى بكل وضوح وقلت: «أنا لا أريد أن أكون أنا الذى أحكم بالإسلام، إنما أريد أن يحكمنى من يشاء بالإسلام»، وبعد أن أعلنت كلمتى وحددت موقفى لم يستطع أحد أن «يهوب» ناحيتى، وأصبحت أقول كلمتى فى الدعوة إلى الله دون أن يتعرض لى أحد، أو يقول إننى طامع فى الحكم أو لى مآرب أخرى من وراء الدعوة، وإن خيبة أى داعية أن يستعجل ثمرة دعوته، وهذا ما لم يحدث مع النبى -صلى الله عليه وسلم- فكيف تستعجل أنت ثمرة دعوتك».
جزء من كتاب «موقف الأزهر وعلمائه من جماعة الإخوان» للباحث حسين القاضى