«كل سنة وانت طيب» الجملة الأكثر شهرة وتداولاً فى شوارع مصر.. وكلك نظر
«التسول» ظاهرة احترفها البعض للكسب السريع
لم يعد التسول ظاهرة فردية، لحالة معروفة بالاسم أو الشكل فى منطقة معينة، فحسب، إنما بات سلوكاً لقطاعات كثيرة، فى مختلف المناطق، مع تباين المستوى الاجتماعى لسكانها، ومن المتسولين من احترف «التسول» كنوع من الكسب السريع واتخذه مهنة مضمونة، ليست بحاجة إلى واسطة للتعيين أو رشوة للترقى، مثل أصحاب العاهات الذين يعترضون المارة فى إشارات المرور ووسائل المواصلات ويتخذون من الدعاء وسيلة للتسول، وكذلك عمال النظافة الذى يتوددون للمواطنين بعبارة «كل سنة وانت طيب»، ولا مانع من أن يختلق سائقو التاكسى قصصاً مأساوية لمضاعفة الأجرة، التسول إذن أصبح مهنة من لا مهنة له، إن جاز لنا أن نصفه بـ«المهنة».
«هدى»: التسول «لغة عالمية» ولكن هناك فروقاً.. ورقابة أيضاً
«أكتر من الهم على القلب»، هكذا وصفت «لمياء مصطفى»، ربة منزل، انتشار المتسولين فى الشوارع ووسائل المواصلات وحتى المدارس، وتقول: «كل يوم الصبح بوصل ولادى للمدرسة، أول ما أنزل أقابل البواب وياخد اللى فيه النصيب، بعدها طول ما أنا فى الطريق ناس تخبط لى على إزاز العربية عشان ياخدوا حسنة، حتى بعد ما أوصل المدرسة تاخدنى الدادة على جنب، وتقعد تشتكى من الهم والمصاريف والمرض لحد ما أطلع لها قرشين».
لا تعرف «لمياء» هل المتسول ضحية مجتمع أم مجرم فى حق نفسه وأسرته، التى ترث عنه فنون التسول، والبلادة وأحياناً البلطجة، السؤال الذى تراه «أمال محمد»، ربة منزل، بديهياً، قائلة: «عدد المتسولين بيكتر يوم عن يوم بسبب ظروف البلد، لما أصحاب الشهادات العالية مش لاقيين شغل، أو بياخدوا الفتات، فما بالك بأنصاف المتعلمين اللى لا عندهم واسطة ولا عارفين يتجوزوا ويعيشوا زى الناس، لازم نحاسب نفسنا الأول قبل ما نحاسبهم على سلوكهم».
يرفض الدكتور سامى عبدالعزيز، أستاذ الإعلان بكلية الإعلام، إعلانات البؤس والبكاء و«تفعيص» العيون، والإمعان فى رسم الأحزان، على حد قوله، ويرى أن إعلانات جمع التبرعات يجب أن تحمل دعوة للخير والتفاؤل والتطلع للمستقبل.
«لمياء»: «لا بواب عاتق ولا دادة بترحم».. و«الليثى»: التبرعات ضرورية لدعم الغلابة لكن «من غير عكننة»
المدخل العاطفى للإعلان مهم، حسب «عبدالعزيز»، لكن دون التقليل من كرامة الإنسان والمكان، فهناك فرق كبير بين المدخل العاطفى والتسولى، مشيراً إلى ضرورة أن يرى المشاهد العائد من وراء جمع التبرعات فى إعلانات الجمعيات الخيرية، لخلق حالة من الشفافية، وإخضاع التبرعات لرقابة الدولة.
يستشهد «عبدالعزيز» بتجربة صندوق «تحيا مصر»، حيث ينفرد بسياسة إعلانية ذات طبيعة إيجابية، تحرك مشاعر الوطنية والمسئولية داخل المواطن، مشيراً إلى أن هناك حاجة إلى ضبط سياسة الإعلان فى مصر، التى تؤدى لنتائج عكسية فى بعض الأحيان مثل إساءة استخدام الأطفال للوصول إلى الجمهور.
يرفض حازم الليثى، المتحدث الإعلامى لجمعية «رسالة»، تسول بعض الجمعيات للتبرعات، باستخدام أساليب رخيصة ومبتذلة للضغط على مشاعر المواطنين، مؤكداً ضرورة قيام الجمعيات الخيرية بحملات إعلانية: «الناس لا تتبرع إلا بعد أن تصل إليهم المعلومة، وهناك جمعيات خيرية تقوم بأعمال عظيمة ولكن لا تستمر لأن الناس لا يعرفون شيئاً عنها».
هناك 3 أهداف للإعلان، فى رأى «الليثى»، أولها إعلانات التوعية سواء بمرض أو مشكلة ما فى المجتمع، وإعلان المصداقية للكشف بشكل مستمر عن الأعمال الخيرية التى تم توجيهها وتخصيص التبرعات لها، ثم يأتى إعلان تنمية الموارد، الذى يحث الناس على التبرع لصالح الجمعية».
«الليثى» يرى أن «رسالة» تحاول ألا تُثقل على المشاهد فى إعلاناتها برسائل سلبية كئيبة لاستدراج عطفه، إنما نستبدل بها رسائل إيجابية تبعث على التفاؤل، بالاستعانة ببعض الفنانين ولاعبى كرة القدم وغيرهم من الوجوه التى يعشقها الجمهور: «عاوزين نوصل الرسالة ولكن من غير ما نعكنن على المواطن».
«التسول ظاهرة عالمية، وليست حكراً على مصر»، تقولها الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق، وتتذكر حين زارت الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وفوجئت بوجود عدد كبير من المتسولين، وإن اختلفت أساليبهم فى استعطاف المواطن: «كانوا يجلسون عند مدخل محطة مترو الأنفاق ويعزفون الموسيقى، أو ينزوون إلى جانب من الشارع لرسم لوحات على الأرض بورق الشجر وبعض الأخشاب، فيستمتع المواطن بالمشاهدة وفى النهاية يترك لهم النقود فى وعاء على مقربة منهم».
«هدى» ترى أيضاً أن جمع التبرعات لصالح مستشفى أو مشروع تنموى من خلال إعلانات الفضائيات، لا يعد أحد أشكال التسول، إنما هو أداة سليمة للتكافل الاجتماعى موجودة فى كل دول العالم المتقدمة: «حين كنت أستاذاً زائراً فى الولايات المتحدة الأمريكية وذهبت إلى أحد المحال التجارية لشراء حذاء، فوجئت بالقائمين على المحل يخبروننى بأنهم يجمعون دولارين من كل زبون لصالح جمعيات بعينها، وبكل سذاجة كان ردى: أنتم إذن تتسولون، ما أثار استياءهم، وفهمت مغزى أعمالهم فيما بعد، فهناك نقاط ضعف فى المجتمع لا بد أن يغطيها القادرون».
وتحذر «هدى» المواطنين من الانصياع وراء من يداعب العواطف الدينية ومشاعر الشفقة داخل كل شخص، والتبرع لصالح كيانات مجهولة، الأمر الذى يتطلب إشراف الدولة على الكيانات التى تقبل التبرعات، وإخضاع تلك الأموال للرقابة الصارمة، وفى نفس الوقت تقوم بدورها فى رعاية المحتاجين وتكفل لهم حياة كريمة.