«شقرة»: داعش «عصا موسى الأمريكية» لهندسة «الشرق الأوسط الجديد»
الدكتور جمال شقرة أستاذ التاريخ بجامعة «عين شمس»
قال الدكتور جمال شقرة أستاذ التاريخ، رئيس «مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية» بجامعة «عين شمس» إن «المنطقة تعيش حالياً نفس السياق الذى عاشته فى مرحلة الحرب العالمية الأولى وتمهيد الطريق نحو اتفاقية سايكس بيكو». وأضاف «شقرة»، فى حواره لـ«الوطن»، أن «مشروع الشرق الأوسط الجديد هو اتفاقية (سايكس - بيكو) الجديدة لتقسيم المنطقة»، معتبراً أن تنظيم «داعش» الإرهابى «عصا موسى الأمريكية» لإنجاز هذا المشروع. وأكد «شقرة» أن محاولات إضعاف مصر واقتصادها وضرب السياحة المصرية يأتى فى إطار هذا المخطط، مثلما حدث تاريخياً مع «دولة المماليك» ما مهد الطريق نحو اتفاقية «سايكس - بيكو».
أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس: «الربيع العربى» أهم الأدوات.. والتفتيت هدفه أمن إسرائيل.. وبداية تنفيذ المخطط منذ صدور «صراع الحضارات»
■ فى إطار ما عرف بـ«الشرق الأوسط الجديد»، هل الدول العربية تعيش حالياً السياق ذاته الذى مهد لاتفاقية «سايكس - بيكو»؟
- أولاً، لا بد من دراسة الظرف الموضوعى الخاص بكل مرحلة فى التاريخ، فالتاريخ لا يعيد نفسه، لكن المعطيات المتشابهة تصل إلى نتائج متشابهة. لذلك عند دراسة أوضاع النظام العالمى فى فترة «سايكس - بيكو» فستكتشف أن هناك صراعاً فى العالم على وراثة أملاك الرجل المريض وهى «الدولة العثمانية»، وهو صراع أوروبى - أوروبى لأغراض استعمارية. المفعول به فى هذه الحالة كان الشرق الأوسط وأفريقيا.
■ ماذا عن الشرق الأوسط فى هذه المرحلة، أى ما قبل «سايكس - بيكو»؟
- فيما يتعلق بالشرق الأوسط ولأهميته الاستراتيجية كان هناك مخطط سبقه تغلغل ونهب اقتصادى لبعض الدول واستعمار حقيقى لدول أخرى، فمثلاً احتلت تونس والجزائر ومصر والسودان عسكرياً، والدول التى لم تقع كان تم استراقها والهيمنة عليها اقتصادياً، فلما تأتى الحرب العالمية الأولى يكون تم التقسيم الاستعمارى. وجاءت اتفاقية «سايكس - بيكو» لتقسيم المنطقة ولتمكين اليهود من احتلال فلسطين، لأنه يرتبط بالاتفاقية وعد «بلفور» الخاص بأن يتم تهجير اليهود إلى فلسطين وإقامة وطن قومى لهم.
■ وماذا كان موقف القوى السياسية العربية وقتها؟
- القيادات السياسية أو القوى السياسية التى كانت موجودة فى الوطن العربى عندئذ لم تكن عند المستوى لتفهم مؤامرات إنجلترا وفرنسا، فعلى سبيل المثال خدعت مصر بالوعود التى قدمت لها بأنها ستمنح استقلالها بعد أن تقف إلى جانب إنجلترا فى الحرب العالمية الأولى. ومن ناحية أخرى خدع الشريف حسين شريف مكة على يد «مكماهون» بأنه سيصبح خليفة للمسلمين وسيعطيه المشرق العربى كله. إذاً وحتى بعد تسريب أخبار هذه الاتفاقية كانت هناك ثقة من الشريف حسين بأن بريطانيا ستفى بوعودها.
■ وكيف ترى الوضع الحالى فى إطار ما سردته تاريخياً؟
- إذا انتقلنا إلى الوضع الحالى، فأنا أريد أولاً التأكيد على شىء مهم أن ضعف منطقة الشرق الأوسط قبيل الحرب العالمية الأولى عامل مساعد حقيقى وهو العامل الحقيقى لنجاح المخططات الاستعمارية، والآن عندما تنظر إلى الخريطة العربية هناك مشروع اسمه «الشرق الأوسط الجديد»، وهذا المشروع دشن منذ زمن وكتابات كثيرة كتبت حول رغبة أوروبا وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية فى إعادة رسم الشرق الأوسط وتغيير الحدود وتفتيت المفتت وتقسيم المقسم، وصودق هذا المشروع فى الكونجرس الأمريكى، ومراكز البحوث الأمريكية كتبت كثيراً عن هذا المشروع وخريطة جديدة للشرق الأوسط.
■ ولماذا لم تلتفت المنطقة إلى هذا المشروع مبكراً؟
- لم يحدث انتباه ولا التفات، نظراً لظروف المنطقة لهذا الخطر الجديد وبدأت أجهزة المخابرات الأمريكية تقوم بتنفيذ هذا المخطط، وبدأت منذ صدور كتاب «صراع الحضارات» لصامويل هنتنجتون بدأت تنفذ ما جاء فى الكتاب. ولذلك بدأنا نسمع ونشاهد انفصال جنوب السودان، كذلك اتباع استراتيجية الفوضى الخلاقة أو التى أطلقوا عليها كذلك، وما هى بخلاقة وإنما هى مؤامرة هدفها تفجير المنطقة من الداخل، ثم بعد كل هذا الغليان وهذا الثوران بالتعامل مع أرض الواقع وإجراء التقسيم، مثلاً تقسيم ليبيا إلى نحو 3 دول وتقسيم العراق وسوريا واليمن وحتى المملكة العربية السعودية مخطط لها أن تقسم، ومصر لا يزال يوضع لها مخطط لتقسيمها لأكثر من 4 دول.
■ ما موقع تنظيم «داعش» الإرهابى من هذه المخططات؟
- الولايات المتحدة تستخدم تنظيم «داعش» الإرهابى والإرهاب باسم الدين، لتحقيق هذا التفتيت وإثارة النعرات العرقية والإثنية، تمهيداً لتحقيق أهدافها، على سبيل المثال العرق الكردى مثلاً. ولكن نتيجة لضعف وفساد النظم الموجودة وقتها انقسم العالم العربى بالشكل الذى رأيناه وبدأنا نشعر بالزلزال الذى سمى بـ«ثورات الربيع العربى»، وما هو بربيع عربى وإنما مؤامرة كبرى، صحيح أن الشعوب العربية كانت مثقلة ومحملة بضغوط نفسية وتراكم للغضب الشعبى الشديد، لكن استغل هذا من قبل الأجهزة المخابراتية، والآن نحن فى وضع لا نحسد عليه شبيه بالوضع الذى كان قبل إعلان «سايكس - بيكو» حيث إن المنطقة تعانى من ضعف وصراعات متعددة الأشكال والألوان ولا توجد جيوش عربية، اللهم إلا الجيش المصرى، قادرة على مواجهة كل هذا. لذلك هذه دعوة من متخصص فى علم التاريخ بأن نلتفت إلى دروس الماضى ونتعظ مما جرى قبيل إعلان الحرب العالمية الأولى وما عشناه وما بعدها ونحاول لملمة العالم العربى ونتكتل ونتصاف حتى نواجه «داعش» التى أطلقتها الولايات المتحدة كـ«عصا موسى» تلتهم القوى المعارضة وتتوحش هى ثم يتم تطبيق التقسيم وفق ما ورد فى خرائط «برنارد لويس».
■ التقسيم فى «سايكس - بيكو» كان مرتبطاً بمصالح ونفوذ القوى الاستعمارية، والآن التقسيم وفق أسس عرقية وطائفية، هل هذا تناقض بينهما؟
- المهم بالنسبة لـ«سايكس - بيكو» و«مشروع الشرق الأوسط الجديد» ألا يتوحد العالم العربى وكل هذا لصالح استقرار وأمن إسرائيل التى تلعب دور الشرطى للمصالح الأمريكية فى المنطقة. لا يوجد أى تناقض ولكن اختلاف فقط فى الآليات نظراً للظروف الموضوعية المتغيرة.