بالفيديو| فى حوار خاص لـ "الوطن": سمير جعجع: مصر لن تنزلق إلى حرب أهلية
فى طريقنا لأعلى نقطة من جبل لبنان كان المرور المتعثر بنقاط التفتيش، التى أقامها الجيش، يبدد بهجة المناظر الخلابة، ويضفى مزيداً من التوتر على طريقنا المحفوف برائحة الخطر والرصاص، وكاد يحول حرباً سياسية معلنة بين الفرقاء هنا إلى مواجهة دامية على خط تقسيم بيروت من جديد.
فى «دارته» -كما يحلو للبنانيين تسمية مقراتهم الحزبية والرسمية- فى منطقة معراب، استقبلنا «الحكيم»، كما يدعوه أنصاره ومعجبوه، معتذراً عن صرامة الإجراءات الأمنية، بمحاولة الاغتيال «النوعية» التى استهدفته أوائل الشهر الحالى، وما زال حلها لغزاً يستعصى على أجهزة الأمن الداخلى.
سمير جعجع يظل رقماً صعباً فى المعادلة السياسية اللبنانية، التى تمثل مختبراً لما هو قادم فى المنطقة، لذا فإن تأكيد رئيس حزب القوات اللبنانية، بأن حرباً أهلية لن تقع فى مصر، يصبح ذا أهمية بالغة لدى المحذرين من تلك الحرب، على خلفية السجال المحتدم على الساحة المصرية، بين قوى مدنية وأخرى إسلامية، يأبى الرجل إلا أن يسميها «أقل تطوراً».
داخل منزله، يبدو الأمر مختلفاً، طوفان من المسئولين الحزبيين، وخلية نحل من مساعديه، نزع نفسه منهم عنوة، وبادرنا بسؤال عن مصر وأحوالها، قبل أن نبدأ هذا الحوار.
برأيك.. لماذا تلاحقك صورة السفاح ذى اليد الملوثة بالدماء، من دون فرقاء الحرب الأهلية اللبنانية، رغم مرور23 عاماً على المصالحة؟
ــ مبادراً: «القاتل المجرم».
هذه صورتك الذهنية الشائعة لدى كثير من اللبنانيين؟
ــ سأحاول أن أشرح لك، مع أن الجواب –عملياً- بسيط جداً، المسألة باختصار تكمن فى أننى لم أكن منصاعاً للنظام السورى وحلفائه فى لبنان منذ اللحظة الأولى، سواء أيام الحرب أو السلم، هذا السلم الذى دفعنا ثمنه غالياً، ولم أقبل بشروطهم فى اللعبة السياسية، لذا يحاولون إخضاعى بشكل مستمر، من خلال الاغتيال السياسى، وحين فشلوا لجأوا مؤخراً إلى محاولة الاغتيال المادى، وأفضل وأسهل طريقة لكى تهاجم شخصاً أن تطلق عليه شائعة، قد تكون صحيحة فى سياق ما، ويمكن أن يصدقها الناس، انطلاقاً من وجود المستهدف منها فى مكان ما بشكل ما، من هذا المنطلق لم يجدوا أى شىء ينتقدوننى به، إلا مشاركتى فى الحرب الأهلية، نعم كنت موجوداً فى الحرب مثل غيرى، وعندما استلمت قيادة القوات اللبنانية عملت على تهدئة كل الجبهات، وحولت الميليشيا، التى كانت تنظيماً مسلحاً، إلى جيش منظم بانضباط كامل.
يتهموننى بالإجرام، ويصوروننى كأننى الوحيد فى تلك الحرب، وكأنه لم تكن هناك تنظيمات مسلحة من مختلف المشارب، ولا وجود للجيش السورى واستخباراته، ولا تنظيمات فلسطينية كثيرة، تسألنى: لماذا سمير جعجع؟ وأجيب: انطلاقاً من الصراع السياسى الكبير الدائر فى لبنان.[Quote_1]
مَن يتواصلون معك على الصعيد العربى صاروا، بالتبعية، هدفاً للنقد، مثل النائب المصرى محمد أبو حامد، والقيادى التونسى عبد الرءوف الريادى (الأول بسبب حضوره احتفالاً حزبياً للقوات اللبنانية، والثانى بسبب رسالة دعم شخصية).. ما تعليقك؟
ــ حزب الله وسوريا وإيران، لم تعجبهم أبداً علاقاتى العربية «المستجدة»، كما لم يرضهم أن تشارك شخصيات عربية فى احتفال القوات اللبنانية الأخير بكلمات لم تعجبهم على الإطلاق، لذلك سارعت هذه الأطراف إلى محاولة تطويقى بالعودة إلى الماضى، وادعاء أشياء لا علاقة لى بها، فعلى سبيل المثال قالوا: «هذا قاتل الأطفال فى صبرا وشاتيلا»، وأتمنى عليك أن تعود إلى كل التقارير والتحقيقات التى جرت حول هذه القضية، سواء كانت دولية أو عربية أو حتى إسرائيلية، وأن ترى أين اسمى فى هذه التحقيقات، بل أتمنى عليك أكثر من ذلك، أن تسأل السلطة والفصائل الفلسطينية، عن دورى فى تلك المجزرة، فلا أحد يعرف بالأمور الفلسطينية أكثر منهم، وسيأتيك الجواب فوراً: « لا وجود له»، لأننى لم أكن موجوداً على أرض الواقع، هذه من أكاذيب مَن يأخذون وقائع من الحرب اللبنانية ويلصقونها بى.
لماذا؟
ــ ماذا تريدهم أن يقولوا؟! إن «جعجع» دفع ثمناً غالياً لإنهاء الحرب الأهلية والدخول فى اتفاق الطائف، ومقاومة عهد الوصاية السورية، وجرى الزج به فى السجن، لأنه لم يوافق النظام السورى على ما كان يريده فى لبنان؟! أم تريدهم أن يقولوا: إن «سمير» دأب على ترسيخ شراكة مسيحية - إسلامية، تخطت حدود لبنان، منذ خروجه من الاعتقال؟!
إنهم لا يستطيعون إلا العودة لحديث الحرب، ويعرضون مقاطع من مجزرة صبرا، التى كانت مأساة حقيقية، ويضعونها على حسابى، ويتجاهلون الفاعل الأصلى، نعم كنت مشاركاً فى الحرب، لكن كنت مقاتلاً شريفاً والجميع يعرفون ذلك.
دعنا ننتقل إلى المشهد الإقليمى، ما قراءتك لوضع المنطقة بعد عام ونصف العام من انطلاق ثورات الربيع العربى؟
ــ أولاً: ما يجرى هو تحول تاريخى بكل معنى الكلمة، ليس بالسهل أو البسيط، وبين قوسين، إنها من المرات القليلة التى تقوم فيها شعوب المنطقة بتحديد مصيرها بيدها، وتدخل خارجى لاحق لتحرك الشعوب، أو بـ«استلحاق» خارجى فيما بعد.
ثانياً: هذا مخاض ما زلنا فى خضمه، فلم ينته الربيع العربى بل بدأ لتوه، وأعتقد أن هذا المخاض سيستمر سنوات طويلة نسبياً، وسيستغرق فى بعض الدول وقتاً أطول من دول أخرى، لكنه سيدوم من أجل الوصول إلى وضع مستقر فى كل الدول العربية، ويجب علينا إدراك ذلك وعدم الاستعجال، ومواكبة هذه الثورات.
ما ملامح هذا الصراع؟
ــ صراع بين اتجاهين عريضين: اتجاه الاعتدال والدولة المدنية والمواطنة السوية والمساواة فى الحقوق والواجبات بين المواطنين، واتجاه آخر دعنى أسمه أقل تطوراً وانفتاحاً واعتدالاً. وبدأت بشائر هذا الصراع تظهر فى مصر، وستبدأ فى الظهور أكثر وأكثر فى تونس، بينما لا تظهر أى بشائر فى سوريا للأسف، فما زلنا فى البداية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المجتمع السورى يميل ناحية الاعتدال والتعددية أكثر من أى شىء آخر، هذه هى الصورة التى برأسى للوضع فى المنطقة للسنوات الثلاث أو الخمس المقبلة.[Quote_2]
بعض المحللين يشبهون الوضع الحالى فى مصر بلبنان منتصف السبعينات، ويتحدثون عن بوادر انزلاق لحرب أهلية بين القوى المدنية والإسلامية، ما تقييمك؟
ــ لا أتمنى أولاً، ولا أعتقد ثانياً، باتجاه مصر نحو حرب أهلية، لأن الوضع لديكم يختلف تماماً عنه فى لبنان، صحيح هناك مجموعات واتجاهات وفرقاء متعددون، ولكن شعور المصريين بتاريخهم ظل طاغياً على الدوام، لكن الصفة الطاغية على الوضع اللبنانى هى تعددية الصبغة التاريخية، إذا جاز التعبير، وعلى سبيل المثال لا خلاف بينكم على تاريخ مصر وجذورها، ولا أعتقد أن مصرياً يحاول التهرب من تاريخه الفرعونى، مهما كان انتماؤه الدينى أو السياسى، بينما لدينا خلاف على جذور الشعب اللبنانى، كما أن هناك فارقاً أساسياً عملياً، هو وجود «جيش مصرى» متماسك ذى عقيدة «دولاتية»، تتعلق بوجود الدولة، وإداراتها ووزاراتها الموجودة منذ قديم الزمن، ودليل ذلك أن تلك الإدارات لم تكن متصلة مباشرة بالأحداث الداخلية، واستمرت فى العمل وكأن شيئاً لم يكن، وفى طليعة تلك الإدارات فى هذا الشأن بالتحديد «الجيش المصرى» وهو على ما هو عليه، وأستبعد أن ينزلق الوضع إلى «حرب أهلية»، أعرف أن ما تشهدونه اليوم فى مصر، جديد على المصريين، ولكنه ليس جديداً علينا كلبنانيين، فهذه هى المرة الأولى التى تتمتع فيها مصر بحريات سياسية، منذ عشرات السنين، لذلك قد يقول البعض: «نحن على مشارف حرب أهلية» من المفاجأة، ولمجرد وجود فرقاء من عقائد سياسية مختلفة، يجب أن نعتاد جميعاً على الديمقراطية، وعلى وجود الآخر، وعلى اختلافنا معه، من هنا أستبعد نشوب حرب أهلية فى مصر، مع أننى لا أستبعد احتدام اللعبة السياسية، وهذا طبيعى فى مجتمع بدأ للتو مسيرته الديمقراطية.
مضى أكثر من عام على الثورة فى سوريا، ويذهب كثيرون إلى أن الرئيس بشار الأسد سيتمكن من البقاء مدة أطول، بسبب المواقف الدولية غير الحاسمة، رغم حمامات الدم المتواصلة.. كيف ترى مستقبل دمشق؟
ــ بتقديرى، إن آجلاً أو عاجلاً، لن يستطيع نظام «بشار» الاستمرار، إنها مسألة وقت، نعم الموقف الدولى متردد جداً تجاه سوريا، بخلاف موقفه من مصر وتونس وليبيا، لكن مرد ذلك فى تقديرى لعدة أسباب، الموضوعية منها تتعلق بتعقيدات الوضع فى سوريا، وتكوكب وحدات النخبة والقوة العسكرية حول النظام، فيما لم تتخذ موقف الجيش المصرى، وتنأى بنفسها عن الدخول فى الصراع الداخلى، بل هاجمت المدن والقرى، وأمعنت فى اعتقال وتشريد وقتل السوريين، وهذا عامل معقد، فاليوم أنت فى مواجهة نظام يختلف عن نظام القذافى.
كيف تنظر لاختيار الرئيس السورى 7 مايو المقبل موعداً للانتخابات، بما يمثله من ذكرى سيئة لقوى 14 آذار، فيما تسمونه «احتلال بيروت» بعناصر حزب الله قبل 4 أعوام؟
ـــ الانتخابات السورية غير جدية، سواء جرت فى 7 أيار أو 8 نيسان ولا فى 10 كانون الثانى، هذه مناورة من الرئيس الأسد.
محاولة اغتيالك أعادت شبح الاغتيالات إلى الساحة اللبنانية، كيف جرت؟ وما يمثله سمير جعجع حتى يقرروا التخلص منه؟
ـــ بكل بساطة، كنت أتنزه فى حديقتى، فانهالت علّى 3 رصاصات عيار 12.7، من بنادق قناصة، والتقدير المبدئى يؤكد إطلاقها من مسافة كيلو متر، فى عملية نوعية، لأن الرماية بشكل دقيق على هذا البعد ليست بالأمر السهل.
أما لماذا سمير جعجع؟ فباعتقادى أن البعض يريدون تغيير توازن القوى فى الداخل اللبنانى، فضلاً عن دورى العربى، الذى بات يزعجهم، خاصة على مستوى مسيحيى المشرق، فالمسيحيون فى سوريا كانوا ملحقين بجحافل النظام، ولا أخفيك -والكل يعرف- أن نقاشاً حاداً يدور فى لبنان عن الوضع الذى يجب أن يكون عليه الموقف المسيحى، والكل يعرف موقفى شخصياً، حيث استطعت أخذ المسيحيين هنا إلى الموقف الذى أعتبره سليماً، تأييد الربيع العربى رغم كل المخاوف المطروحة فى إطاره، وبشكل موضوعى أعتقد أن تغيير توازنات القوة فى الداخل والعودة لمصادرة المسيحيين فى لبنان وخارجه فى هذه اللحظة الحرجة، كانا دافعين للفريق الذى حاول اغتيالى.