توفير العملة يبدأ بـ«التهريب» ولا ينتهى مع «الطرف الثالث»
أصحاب الأعمال الصغيرة يقومون بإدارة الأموال فى الخفاء
مع استمرار أزمة الدولار على مدار الشهور الماضية، لجأ عدد من أصحاب الأعمال الصغيرة المتعاملين فى قطاع الاستيراد والتصدير، لبعض الطرق البديلة، لتوفير المبالغ المطلوبة وسداد تعاقداتهم التى أبرموها قبل تصاعد الأزمة خلال الأسابيع الأخيرة، ونظراً لعدم خضوع تلك العمليات للشكل الرسمى والقانونى، يقومون بإدارتها فى الخفاء، خوفاً من مصادرتها أو تعرضهم للمساءلة القانونية.
خبير: بدائل إدخال «دولار دبى» إلى مصر مخالفة للقانون وتعرّض صاحبها لمخاطر النصب.. والتجار: «الحكومة فى وادى تانى»
محمود سامى، صاحب شركة استيراد وتصدير، أحد هؤلاء، لجأ لإحدى الطرق البديلة حتى يتمكن من توفير «العملة الصعبة»، التى بات الحصول عليها بالطرق الرسمية شبه مستحيل، على حد تعبيره، خاصة فى ظل عدم ثبات أسعار الصرف والعمولات، وتخبط الإدارة الاقتصادية فى وضع حلول جذرية ونهائية للأزمة، الأمر الذى دفعه للاتفاق مع مسئول بإحدى شركات السياحة على جلب كميات نقدية من الدولارات سوف يقوم أحد أقاربه بمنحها له فى السعودية، طوال موسم العمرة والحج، على أن يأتى له بها دون استبدالها، نظراً لقيام قريبه بتجميعها على هيئة «ورق بـ100 دولار»، مقابل منحه نسبة نقل ثابتة يقول عنها إنها «أرحم بكتير من الحرب اللى حاصلة فى السوق، لأن سعر الريال ثابت فى مواجهة الدولار، ولما تكون نسبة النقل هى كمان ثابتة، بكده أقدر أظبط حساباتى من غير ما يحصل خلل، والأهم من كل ده أنى أبعد عن السوق المصرى بكل مشاكله لحد ما يبقوا يلاقوا له حلول».
ويكرر آخرون نفس الحيل من بلدان أخرى ومنها دبى فى ظاهرة سماها البعض بـ«دولار دبى».
صاحب شركة: بعض صناع القرار يمتلكون صرافات كبرى من الباطن ويحققون أرباحاً من استمرار الأزمة.. ويجب رفع سيطرة الدولة على التعاملات
عمليات إدخال الدولار إلى مصر بكميات غير محددة لا تعتبر تهريباً على الإطلاق من وجهة نظر الرجل الأربعينى، لذا فهو يرى ضرورة أن يتم تقنينها دون فرض السيطرة عليها، من أجل أن تحصل الدولة على نسب مقابل التحويل، لأن هزيمة السوق السوداء لن تتم طالما ظلت الحدود مراقبة ومقيدة بنسب وعمولات رسمية وغير رسمية، وفى حالة رفع الدولة يدها عن تلك التحويلات، سوف يتوفر الدولار فى السوق المصرية، ولن يحتاج المستثمر شركات الصرافة فى شىء، الأمر الذى سوف يجبر العاملين بها على التعامل بهامش ربح بسيط، يزيد قليلاً عن السعر الرسمى المعلن من قبل الأجهزة الحكومية.
شهادة «بلادى» الدولارية للعاملين بالخارج، عبارة عن محاولة جديدة من محاولات أجهزة الدولة للحصول على نسب أرباح واستغلال الأزمات، وعدم الرغبة فى إنهاء الأزمة ووضع حلول جذرية لها، من وجهة نظر صاحب شركة الاستيراد والتصدير، الذى يرى أنه بدلاً من إعلان الدولة عن تلك الشهادات كان يتوجب عليها تشجيع المغتربين على النزول إلى مصر بمدخراتهم الدولارية دون الحصول على نسب خاصة، حتى يتم إغراق السوق بالعملة وإجبار المتعاملين بها على الالتزام بالأسعار الرسمية.
أما أحمد السيد، صاحب مكتب مقاولات، فقام بالاتفاق مع أحد أصدقائه العاملين بدولة الإمارات العربية المتحدة، للقيام بتحويل المبالغ المطلوبة منه بالدولار على أرقام حسابات أصحاب البضائع، على أن يعيد تحويلها إليه مرة أخرى عبر عدد من حسابات أصدقائه فى هيئة درهم إماراتى، الأمر الذى يتيح له ميزتين -على حد تقييمه- الأولى تتمثل فى قدرته على تحويل المبالغ المالية المطلوبة منه فى موعدها، ومن ثم توفير قيمة الغرامات التى تفرض عليه من قبل شركات الشحن والتفريغ، بالإضافة إلى عدم وقوعه فى فخ الشروط الجزائية فى حالة تأخره عن دفع المبالغ المطلوبة منه للمصانع الأوروبية، والثانية أن الدولار يقف عليه بسعر أقل من الرسمى الذى تعلن عنه البنوك والجهات الرسمية فى مصر عن تحويل الجنيه المصرى إلى درهم إماراتى.
وعن الأسباب الحقيقية وراء استمرار الأزمة، وعدم تكشف الرؤية عن نهايتها بعد، أشار «السيد» إلى أن بعض متخذى القرار بشأن أزمة الدولار يمتلكون من الباطن مكاتب صرافة شهيرة فى منطقة «وسط البلد»، ويحققون أرباحاً بالملايين يومياً من وراء استمرار الأزمة، وأنهم السبب الحقيقى فى «تعطيش» السوق بالدولارات، ومن ثم ارتفاع أسعاره فى ظل عدم قدرة البنوك على تدبير المبالغ التى يطلبها منها المودعون، حتى بعد تقديمهم «أذون تدبير» حيث يفاجأون برفض طلبهم بعد مرور عدة أسابيع على تقديمه، الأمر الذى يجبرهم على التصرف من أى جهة لتسيير أعمالهم، والبعض الآخر أكاديميون لم يتعاملوا مع سوق العملات بشكل مباشر، ويكتفون بقراءة التقارير المكتبية التى يصيغها لهم المراقبون وبعض العاملين بمكاتبهم.
«إغلاق مكاتب الصرافة لن ينهى الأزمة»، يستطرد المقاول الخمسينى، أن المتسبب الحقيقى فى الأزمة هم السماسرة وليست المكاتب التى يعملون بها، الذين يتواصلون مع مسئولين فى الأجهزة التنفيذية للحصول على معلومات عن الوضع الاقتصادى، ومن ثم الاستفادة بها فى «بهدلة» السوق والتحكم فيها، خاصة أن بعض مكاتب الصرافة تعمل وفق الضوابط المعمول بها، وتحاول بشتى الطرق توفير المبالغ التى يطلبها منهم عملاؤهم الدائمون فقط وليس العابرين، لذا فالحل الأنسب -من وجهة نظره- يتطلب إشراك أصحاب الأعمال الصغيرة فى صنع القرار والوقوف على المشكلات التى تواجههم، وتوفير البديل الآمن لحلها، حتى تلامس القرارات الرسمية أرض الواقع، قبل أن تصبح حبراً على ورق، مضيفاً: «أكبر دليل أن الدنيا بايظة أن الأزمة مستمرة على الرغم من أن كل يوم فيه 50 قرار بيطلعوا، وده معناه إن المسئولين فى وادى وأرض الواقع فى وادى تانى خالص».
يقول الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادى، إن البدائل التى يلجأ إليها بعض صغار المستثمرين من أجل توفير الدولار، مثل تهريبه من الخارج عبر وسطاء، أو سداد المستحقات المطلوبة عبر حسابات خارجية لطرف ثالث فى الخارج مقابل عمولة تعرّض صاحبها لمخاطر النصب، ولن ينفعه اللجوء إلى القضاء لأن هذا التعامل لا ينظمه القانون وهو بمثابة تحايل عليه.
وعن البدائل الرسمية لتوفير الدولار، أشار «نافع» إلى إمكانية لجوء أصحاب الأعمال الصغيرة إلى البدائل التعاقدية، المتمثلة فى تثبيت سعر الصرف فى التعاقد، وأن يلتزم طرفا التعاقد بتحمل الزيادات الطارئة، أو تثبيت عملة الصرف مع إمكانية التعامل بعملات أخرى متوفرة نسبياً خلاف الدولار مثل اليورو، طالما لم تخل تلك العملة البديلة بحقوق الطرفين المادية، كذلك من بدائل التحوّط ضد مخاطر تقلبات سعر الصرف التعامل بالعقود المستقبلية فى أسواق الفوركس خارج مصر، وعلى نطاق جانب المعروض الدولارى، يجب إحداث تنمية شاملة حقيقية على أرض الواقع، وليست مكتبية أو إعلامية فقط، من أجل القضاء بشكل نهائى على أزمة الدولار حالياً ومستقبلياً، مع ضرورة تفهم القائمين على صنع القرار أنها أزمة عرضية وليست مرضية متأصلة، لكى يتمكنوا من وضع الحلول السليمة لها، لذا فعودة السياحة مرة أخرى إلى ما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير، وإعادة فتح مئات المصانع التى أغلقت أبوابها وتدوير عجلة الإنتاج بها مرة أخرى، وتوفير المنتج المصرى كبديل ذات جودة عالية للمنتج المستورد، سوف يكون بداية حقيقية لتثبيت سعر الجنيه أمام الدولار، واستغناء شريحة كبيرة من المستوردين عنه نظراً لعدم احتياجهم إليه فى تعاملاتهم.