أستاذ علوم سياسية في حوار لـ"الوطن": "فشل القوى الثورية غير الإسلامية" هو عنوان "الربيع العربي".. ولست متفائلا
أستاذ علوم سياسية في حوار لـ"الوطن": "فشل غير الإسلاميين" هو عنوان "الربيع العربي".. ولست متفائلا
الدكتور أحمد عبدربه
قال الدكتور أحمد عبد ربه، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن "الثورات العربية فشلت في تحقيق أهدافها، نتيجة فشل القوى الثورية غير الإسلامية في التنظيم، ما عطل الثورات وأعاد القوى القديمة مرة أخرى".
وأضاف "عبد ربه"، في حوار لـ"الوطن"، أن "الربيع العربي قدم فرصة ذهبية للإخوان ليصبحوا قوة فاعلة معترف بها رسميا، لكنهم أضاعوها بضيق النظر وافتقادهم ثقة القوى الأخرى".
وأكد "عبد ربه" أن الثورات العربية لم تنتهِ لأنها عملية مستمرة، متوقعا أن تكون المرحلة المقبلة صعبة.
........ وإلى نص الحوار:
* في رأيك إلى أين وصلت الدول العربية بعد مرور نحو 5 سنوات على ما سمي بـ"الربيع العربي"؟
- للأسف، أنا شخصيا مؤيد جدا للثورات، وأرى أنها كانت ثورات شعبية حقيقية وليست مؤامرات، وكان هدفها الرئيسي التغيير والعدالة والتخلص من الحكم الديكتاتوري، إلى آخره، لكن بعد 5 سنوات من الثورات للأسف كنتيجة طبيعية لضعف القوى الثورية، إن جاز أن نقول هكذا سواء في مصر أو في اليمن أو في ليبيا، فضلا عن وجود حسابات إقليمية معقدة ومصالح دولية غالبا كانت متعارضة مع تلك الثورات، في النهاية للأسف فشلت أو تعطلت.
* هل مصطلح "الربيع العربي" لا يزال صالحا لوصف هذه المرحلة؟
- مصطلح "الربيع العربي" أرى أنه جرى تحميله بأكثر مما يحتمل، سمي "الربيع العربي" لسبب بسيط هو أنه لما حدث في دول أوروبا الشرقية شيء مشابه، أطلقوا عليه "الربيع العربي" كنوع من التفاؤل، التسمية لا تحمل أي معانى سلبية، ولا أرى مشكلة في هذا اللفظ وليس لدي حساسية منه، إنما للأسف الشديد تحول إلى خريف، وفي النهاية يجب ألا نحمل اللفظ أكثر مما نحتمل.
* في البداية خرجت المظاهرات للمطالبة بالحقوق والحريات، هل ترى أن مطالب المواطن العربي تبدلت الآن وأصبح يريد الأمن والاستقرار؟
- أعتقد أن المعادلة عادت إلى فترة ما قبل الثورات، أن تكون الأولوية لدى المواطن هي الحقوق الاقتصادية، لا أستطيع القول إنه تنازل عن حلم الحقوق والحريات، لكن أولوياته تغيرت، في حين أنها كانت مطالب اقتصادية وسياسية وقت الثورات، فلم تكن المطالب وقتها تتمحور حول مطالب المعيشة الأفضل، ولكن كان هناك مطالب للحريات وحقوق الإنسان وتغيير الأنظمة.
* ولماذا حدث هذا التغير يا دكتور؟
- بسبب ما حصل على مدار الـ4 أو 5 سنوات الماضية، الدول التي انهارت والحروب الأهلية التي اندلعت، والدماء التي أريقت في الدول التي شهدت الثورات، باستثناء تونس التي هي استثناء نسبي، فالمواطن عاد مرة أخرى إلى تفضيل الاقتصاد، وعاد إلى أولوية أكل العيش على حساب الحرية وعلى حساب التغيير الديمقراطي وما إلى ذلك.
أستاذ العلوم السياسية: القوى المضادة للثورة قايضت الناس بين الحرية والأمن.. فكانت الأولوية للأمن و"لقمة العيش"
* حين يخير الفرد بين الحرية والأمن فإن الأولوية تكون لديه للأمن، هل تعتقد أن من كانوا ضد الثورات العربية لعبوا على هذا الوتر؟
- طبعا، مائة بالمائة هذا هو الذي حدث من وجهة نظري، إن الجميع عملوا على إما أن تحصلوا على الأمن أو تحصلوا على الحرية، وعندما تجري مقايضة للناس بين الحرية والأمن من ناحية، ومن ناحية ثانية القوى الثورية لا تستطيع ولم تستطع، وللأسف هذا هو الواقع، فرض بديل أو أن يكون لديها قوة منظمة تكون لديها القدرة على الضغط، فمن الطبيعي جدا أن المواطن اختار الأمن، وهذا اختيار طبيعي في ظل قوة قوى الثورة المضادة من جهة، وضعف قوى الثورة في امتلاك أجندة تضغط بها من الجهة الأخرى.
* صاحبت مرحلة الثورات العربية حالة من عدم الثقة والاتهامات المتبادلة بين الجميع، هل هذه الأمور أثرت على النسيج الاجتماعي لدول الثورات؟ وهل دمرت عنصر رأس المال الاجتماعي لتلك الدول؟
- لا، أختلف هنا بعض الشيء، ما من شك أن الاستقطابات السياسية والاجتماعية زادت، لا أحد ينكر ذلك، حتى في مصر التي هي دولة لا يوجد بها أعراق مختلفة مثل لبنان، أو اختلافات كبيرة بين أفراد الشعب، لكن ما من شك أن مصر من الدول الكبيرة التي حدثت فيها مشكلات بين الناس على أسباب سياسية وإيديولوجية، لكن أريد أن أقول إنه من وجهة نظري لم يصل الوضع إلى مرحلة أن نتحدث عن تدمير النسيج الوطني، هذه كلمة كبيرة وتعني حدوث حرب أهلية شاملة، نحن في مرحلة أن الناس لم تكن معتادة على تلك الخلافات الرهيبة بينهم، كانوا يسلمون أمور السياسة والإيديولوجية للسلطة، فلما بدأ الناس يتحدثون عن أفكار وأحزاب وشرعية وثورة، فطبيعي أن حدث بينهم خلافات.
* وما الذي قوى تلك الخلافات؟
- جزء كبير من أسباب تقوية تلك الخلافات راجع إلى قوى الثورة المضادة، مثلما بدأ حدوث مواجهات مسلحة في دول مثل سوريا، تحول الأمر من ثورة إلى حرب أهلية رسمية، طبيعي أن سوريا تدمر فيها النسيج الوطني، لكن مصر لا، وبالتالي لا يمكن القول إن كل الدول العربية التي وقعت فيها ثورات، تسبب الثورات في تدمير النسيج الوطني.
"الربيع العربي" كان فرصة ذهبية أضاعها الإخوان.. والجماعة استعجلت بتسلم السلطة وليس تحقيق حلم الثورة
*كيف تقرأ تجرية التيارات الإسلامية التي وصلت إلى السطلة بعد الثورات؟ هل ظُلموا أم هم من ظلموا شعوبهم؟
- الإخوان المسلمون أو التيار الإسلامي بشكل عام أتت إليه فرصة ذهبية في الثورات، سواء أكانت ربيع أو غيره دعنا نسميها الثورات العربية، كانت لديهم الفرصة لأن يصبحوا قوة فاعلة معترف بها رسميا، كانت لديهم فرصة ذهبية ليس في مصر فقط بل في خارج مصر أيضا، ويمكن حتى في الدول التي لم تشهد ثورات مثل المغرب، فوصلت الأحزاب الإسلامية إلى السلطة، إنما أنا أعتقد أنهم مسؤولون بشكل كبير عن ضياع هذه الفرصة.
* كيف كانوا مسؤولين عن ذلك؟
- بمعنى أنهم من الناحية السياسية مسؤولون، لأن وجهة نظرهم كانت ضيقة جدا، وهناك استعجال واضح جدا في تسلم السلطة وليس تحقيق حلم الثورة هذا من ناحية.
ومن الناحية الثانية كانت هناك مشكلة كبيرة لديهم في التعامل مع القوى الأخرى، فكلما كانوا يحتاجون إلى القوى الثورية الأخرى غير الإسلامية يتحدثون عن الوفاق والمشاركة لا المغالبة، وعندما يكون في موقع قوة يبدأ بقلب الطاولة عليهم، كما أنه زود مساحة عدم الثقة بينه وبين القوى والتيارات الثورية غير الإخوان وغير الإسلامية، ووصل الإخوان إلى المرحلة التي هم فيها الآن للأسف.
* رغم حدوث الثورات لماذا بقيت البدائل السياسية محصورة إما بين الإخوان أو بقايا الأنظمة السابقة أو من لهم خلفية عسكرية؟
- هذا يشير إلى المشكلة الرئيسية في الدول العربية، إذا لم يكن هناك تنظيم قوي قادر على التعبير عن الأفكار والشعارات وقادر على التفاوض ويكون لديه لجنة إعلامية وبرنامج، دون ذلك الشعارات لن تأتي بنتيجة، عندما أقول إن الثورات العربية لم تحقق أهدافها، سواء قلنا فشلت أم تعطلت، هذا هو السبب الرئيسي، ظلت كما هي القوى الإسلامية ضد قوى الدولاتية أو الدولة، فالنتيجة الطبيعية أن القوى الإسلامية أو الإخوانية انهارت، فلا يكون هناك بديل غير قوى الدولة، سواء كان الحديث عن الجيش أو المؤسسات الأمنية، أو الأحزاب التي كانت موجودة قبل الثورة، مثلا في تونس بشكل أو بآخر القوى السياسية قبل الثورة رجعت، وفي مصر المؤسسة العسكرية، وفي سوريا تحولت إلى الانهيار تام، وفي اليمن عادت القوى القديمة مرة أخرى، والمشكلة الرئيسية هو العنوان الكبير لعدم نجاح الثورات إلى الآن هو أن القوى الثورية غير الإسلامية لم تنجح في تنظيم نفسها حتى بالمعنى البسيط في إنشاء مؤسسات أو أحزاب سياسية تعبر عنهم.
* هل ترى أن عدم حدوث تغيير يرضي طموح المواطن بعد الثورات سيؤثر على ثقافته ويعيده إلى مرحلة ما قبل الثورات؟
- أريد أن أفرق بين أمرين، بين الوعي والطموح، بمعنى أنا متفق أن طموح المواطن تراجع جدا، وعادت الأولوية للأمن والاقتصاد على السياسة، لكن الوعي لم يتغير من وجهة نظري إنما زاد، المواطن العربي بشكل عام والمصري بشكل خاص لم يكن يعرف كثيرا في السياسة، إنما الآن العكس، حتى وإن كان الطموح تراجع، لأن الظروف تغيرت.
* الثورات تستمر لفترات طويلة إلى حين تحقيق أهدافها، هل انتهت مرحلة الثورات العربية؟ أم لا يزال هناك ما هو قادم؟
- أنا أرى أن الثورات عملية مستمرة وليست مجرد لحظة تاريخية، الثورات ليست لحظة كمجرد عيد ميلاد نقدم التبريكات لها وتنتهي، ولكن الفارق أن هناك ثورات تأخذ وقتا قصيرا وأخرى تأخذ وقتا طويلا، أنا أعتقد أن قوى التغيير الثورية والتحولات مستمرة، لكن هذه القوى ينتج عنها تغيرات سريعة أو بطيئة، أنا للأسف أنها ستأخذ وقت طويل إلى حين يحدث التغيير المطلوب، لكن في اعتقادي لم تتراجع بل هي مستمرة.
* كيف يتعامل المواطن مع شبح الخوف من المؤامرة والحرب الأهلية التدمير الذي يواجهه حين يتحدث عن حقوقه ومطالبه في التغيير؟
- هنا توجد نقطة مهمة، هل بشكل عام توجد مؤامرات، نعم توجد مؤامرات، المؤامرات في السياسة بصفة عامة موجودة سواء على الدول المحيطة أو على مصر، إنما مشكلتنا في العالم العربي أننا نتآمر على أنفسنا، القوى التي تدفعنا للتراجع موجودة في الداخل ولسنا في حاجة إلى أمريكا وأوروبا للتآمر علينا، والمشكلة الثانية أننا لا نتحدث كيفية مواجهة تلك المؤامرة، وحين نفكر في مواجهتها نواجهها بالقمع ومزيد من تضييق الحريات والقبضة الحقيقية، فنعطي فرصة لانتشارها.
* في ظل الثورات، هل ستظل التوازنات الدولية صاحبة التأثير الأقوى على التغيرات الحادثة داخل الدول؟
- هذا صحيح، الفكرة أنه في الفترة الماضية لا تزال العلاقات بين الدول الكبرى والحسابات بينهم هي التي تؤثر ولكن ليس وحدها، لكن هناك فاعلين آخرين غير رسميين يؤثرون مثل تنظيم "داعش" الإرهابي، والتغييرات الداخلية في مصر أو في سوريا وإيران وتركيا وحتى السعودية، كل التغييرات أصبحت تلعب دورا.
الحديث عن مصالحة مع الإخوان يثير القلق.. ونريد دمجا سياسيا وفق شروط تنطبق على "الجماعة" وغيرها
* هل ترى أن مصر تحتاج إلى مصالحة مع الإخوان أو مع القوى التي عرَّفت بـ"الثورية" إذا أردنا الانتقال نحو مرحلة أفضل في المستقبل؟
- نحن نحتاج أولا لمصالحة مع القانون، اليوم لدينا مشكلات مع الداخلية ليس لها علاقة بالإخوان أو غيرهم، مشكلات لها علاقة بأن القانون لا يطبق أو يتم تجاهله في أوقات كثيرة، ثانيا: نحن لا نريد مصالحة ولكن نريد دمجا وهنا يوجد فارق بين المصالحة والدمج السياسي، المصالحة قد تعني صفقة، فلو تخيلنا أن أحدا قال لي إن "السيسي" ذهب إلى خيرت الشاطر ويسلما على بعضهما، أنا بالتأكيد سأكون قلقا، لأن هذا يعني صفقة، أنا لا أريد صفقة جديدة بين الدولة والإخوان، أنا أريد دمج، لكن لمن؟ نضع شروطا سياسية هنا تنطبق على الإخوان وغيرهم، وكل من يراد أن يدمج في العملية السياسية، مثل التزام السلمية، وألا يثبت تورطه في أعمال إرهابية، وأن يفصل بين الجانب الدعوي والسياسي، نحن نحتاج مصالحة مع القانون ودمج للقوى السياسية.
* ما توقعاتك للمرحلة المقبلة؟
- للأسف، توقعاتي لن تكون متفائلة، وأتوقع أنه ما زال هناك فترة صعبة قادمة، سواء على الوطن العربي بشكل عام أو على مصر بشكل خاص، وأسبابها كثيرة، مثل غياب الدمج والثقة ووجود نوع من العناد المتبادل، وتراجع الحريات، ووجود صراعات بين الدول الكبرى على مناطق النفوذ في الشرق الأوسط، إلى جانب الإرهاب.