وجّه قداسة البابا تواضروس عدة انتقادات إلى الإعلام، كان آخرها ما جاء فى حديثه خلال المؤتمر الرابع للوعى القبطى، حيث اتهم الإعلام بنشر القباحات، وطلب من مستمعيه أن يكونوا ناصحين ويقاطعوا الصحف التى تشتمهم، ووعد من ينالون من رموز الكنيسة بالجحيم، حسب وعد المسيح. هذه التصريحات جاءت تالية لهجوم سابق شنه البابا على الإعلام عقب الانتهاء من زيارته للقدس للمشاركة فى قداس جنازة الأنبا «إبرام». من المؤكد أن المصريين بعنصريهم يقدرون قداسة البابا، وكل من يجلس على الكرسى البابوى. والبابا تواضروس على وجه التحديد رجل عميق الوطنية، ولا يستطيع أحد أن ينسى دوره فى امتصاص وتسكين حالة الغضب التى أصابت المصريين بعد قيام عناصر إرهابية بحرق عدد من الكنائس المصرية، عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة. كل هذه الأمور لا يستطيع أن ينكرها أحد، لكننى لا أجد مبرراً يفسر حالة الغضب التى انتابت «البابا» بسبب قيام بعض الأقلام بالتعليق على زيارة قداسته إلى القدس، عبر تل أبيب، حتى ولو كان مدفوعاً فيها بسبب إنسانى له كل الحق فيه، والمتمثل فى إنفاذ وصية الأنبا «إبرام».
حرية الرأى والتعبير حق ينص عليه الدستور، وحق الإعلام فى النقد حق أصيل، طالما كان النقد يرتكن على احترام الأدبيات المتعارف عليها ويراعى القيم المهنية. ومن حق من أصابه نوع من القلق جراء زيارة البابا تواضروس إلى القدس عبر تل أبيب أن يعبّر عن قلقه. فالموقف الشعبى، بل وموقف بعض مؤسسات الدولة، من تطبيع العلاقات مع إسرائيل موقف معروف ومعلوم للجميع، نعم هناك من لا يرى غضاضة فى التطبيع، وهذا حقه ووجهة نظره، لكن ذلك لا يعنى بحالٍ المصادرة على من يملك وجهة نظر مخالفة ويرفض التطبيع. مؤكد أن التقول والتخرص على الناس بمعلومات كاذبة أمر قبيح، ولكن أن توصف الآراء ووجهات النظر بـ«القباحات»، فهذا ما لا أفهمه!.
من حق قداسة البابا أن يدعو محبيه إلى مقاطعة الصحف التى علقت على زيارته للقدس، وينصحهم بـ«النصاحة»، لكن التذرع بفكرة أن الإعلام «شتم» فهذا ما لا أستوعبه أيضاً. ففى حدود متابعتى لتفاعل الإعلام مع موضوع زيارة البابا إلى القدس، لم أجد من توجه بأى لفظ غير لائق إلى قداسته، كل ما اشتملت عليه الكتابات التى تناولت الموضوع حملت وجهة نظر عاتبة ليس إلا، بل وقام الإعلام بواجبه كاملاً فى نشر كل ما صدر عن الكنيسة من بيانات، وكل ما جاء على لسان البابا فى مناسبات مختلفة حول هذه الزيارة، وبالتالى لم يكن هناك داعٍ لأن يلصق بالإعلام ما لم يفعله، لمجرد الغضب من وجهات نظر أو تعليقات على الخطوة التى قام بها.
أفهم أيضاً أن البابا تواضروس رمز دينى كبير، لكننى توقفت أمام كلامه عن أن من يهاجم رموز الكنيسة مصيره إلى الجحيم، إذ لم يهاجم أحد هذه الرموز حتى يتوعده البابا بالجحيم. ظنى أن هذا الوعد ينطوى على قدر لا بأس به من البلاغة التى تصل إلى حد المبالغة، خصوصاً أن كل مسئول -صغير أو كبير- فى هذا البلد أصبح فى مرمى النقد والتعليق وطرح وجهات النظر حول ما يتخذه من خطوات. ومؤكد أن قداسة البابا يلاحظ ذلك!.