حكايات «عيون» أضاءت «شارع الحرية»
مصابون يفترشون الأرض بالخيام، وقوات أمن تداهمهم فى كل مكان، اشتباكات تندلع وتدور رحاها بين الأمن والمصابين وأنصارهم داخل «التحرير»، لإجبارهم على إخلاء الميدان بالقوة، فيديوهات تبث عن سحل جثة أحدهم وإلقائها بجوار القمامة، الغضب يتصاعد، والاشتباكات تنتقل إلى شارع محمد محمود؛ حيث وزارة الداخلية، أدخنة قنابل الغاز المسيل للدموع تنتشر، موتوسيكلات تنقل المصابين للعيادات الميدانية آناء الليل وأطراف النهار.
الأجواء مضطربة، الضحايا بالعشرات، ومرشد الإخوان يخرج ليصرّح بأن الأحداث مفتعلة لإفساد العُرس الديمقراطى، لكن دوىّ الاشتباكات كان أكثر صخباً منه، ازدادت أعداد المصابين بطلقات الخرطوش، واستهدفت أعين المتظاهرين، وفرد أمن مركزى يرد قائلاً: «جدع يا باشا».
حكايات مأساوية لأفراد فقدوا أعينهم خلال تظاهرات أحداث محمد محمود الدامية، لكن بقيت حكاية رضا عبدالعزيز مختلفة، يروى قصته قائلاً: «أُصبت يوم الأحداث فى عينىّ الاثنتين بطلق خرطوش، كان تانى يوم الاشتباكات، بالتحديد 20 نوفمبر، وخرجت عشان الهجوم على المتظاهرين فى ميدان التحرير يوم 18 نوفمبر، دخلنا الشارع عشان نتصدى لقوات الأمن المركزى ومنعهم من دخول الميدان».
ويُكمل رضا الذى شارك فى أحداث ماسبيرو وموقعة الجمل، والبالون، قائلاً: «نزلت عشان اخواتى، لقيت الإخوان والسلفيين يسلمونا للجيش، ولما أُصبت سمعت فرد أمن مركزى بيقول للضابط: «جدع يا باشا»، نُقلت بعدها لمستشفى الدمرداش، لكن ضباط أمن الدولة كانوا يلاحقوننا، وتانى يوم العملية، قوقعة عينى اليمين فرقعت، أما عينى الشمال فكانت مصابة من الداخل، ونتيجة خطأ الطبيب تم قطع شبكية العين».
ويُكمل: «اتصلت بىّ هبة السويدى، وسفّرتنى على حسابها عشان اتعالج فى ألمانيا»، ويضيف: رجعت لقيت مصر كلها فى استقبالى، وكنت سامع هتافات: «رضا يا حتة ولد.. عينك بتنور بلد»، «طنطاوى يا ابو وشين.. عين رضا راحت فين».
ويقول أحد أشهر من أصيبوا فى الأحداث والبالغ من العمر 20 عاماً إنه قام برفع دعوى قضائية على المشير طنطاوى واللواء منصور العيسوى، وزير الداخلية الأسبق، واللواء أحمد جمال الدين، ، مدير الأمن العام حينها.
ويضيف رضا: «نزلت من المطار على الميدان، والتقيت الرئيس محمد مرسى فور إعلان فوزه، وقال لنا حقكوا ف رقبتى، فقلت له: انت على كرسى الرئاسة بدمنا، فقام وقف».
أما الحكاية الثانية فكانت مع باسل حسين، عضو حركة 6 أبريل، الذى تم استهدافه بطلق نارى وقع أعلى عينه اليسرى، حتى استقر بالقرب من المخ، وهو ما نتج عنه تدمير مركز الإبصار، يقول باسل: «نزلت عشان المصابين بيضّربوا فى الميدان، ومحاولات الجيش والشرطة فض الميدان».
ويضيف: «ذهبت لأقدم بلاغاً ضد المشير طنطاوى، لكن مأمور قسم قصر النيل منعنى، فكلفت محامى برفع دعوى قضائية ضد المشير وضد مأمور القسم وقائد الشرطة العسكرية وقتها ووزير الداخلية»، ويتابع: «عينى راحت بلاش، ولولا أحداث محمد محمود كان حكم العسكر ماخلصشى». ويُكمل: «شارع محمد محمود أصبح عنواناً للحرية».
وفى السياق ذاته، حصلت «الوطن» على تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، الذى أكد ارتفاع نسب الإصابات فى الوجه والنصف الأعلى من الجسد خلال الأحداث، وأن المصابين أكدوا أن التصويب كان مباشراً تجاه أعينهم.
واستقبل مستشفى قصر العينى يوم 27 نوفمبر 60 حالة إصابة فى العين فى الفترة ما بين 19 نوفمبر وحتى يوم 27 نوفمبر. وتنوعت إصابات العيون ما بين انفجار بقرنية العين أو بصلابة العين أو استقرار جسم غريب فى أجزاء متفرقة من العين، وأكدت كشوف المستشفى أن العدد الإجمالى للمترددين على المستشفى منذ بداية الأحداث هو 705، منهم 176 تم احتجازهم بالمستشفى. وقد استُقبلت 12 حالة وفاة.
وأكدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن تحقيقها المبدئى فى اعتداءات التحرير يؤكد أن قوات الأمن تعمدت إطلاق الرصاص المطاطى والخرطوش فى اتجاه أجساد المتظاهرين بهدف إحداث إصابات وليس بهدف تفريق المتظاهرين، الأمر الذى تسبب فى فقدان عدد منهم لوظائف العين.
وقالت ماجدة بطرس، مديرة قسم العدالة الجنائية بالمبادرة المصرية: «النسب المرتفعة للإصابات فى العيون لا تدع مجالاً للشك فى وجود نمط للاستهداف العمدى لعيون المتظاهرين عبر تصويب الرصاص الخرطوش والمطاطى على العيون مباشرة. لن نسمح بأن تمر هذه الجريمة البشعة دون عقاب».
كما أكد أحد المتظاهرين أن هذا التعمد فى استهداف العيون قد أقرّ به الضباط أنفسهم. فقد أفاد رامى الخولى، شاهد عيان، أن أحد رجال الأمن المركزى أثناء مطاردة المتظاهرين باتجاه مسجد عمر مكرم يوم 19 نوفمبر قام بتهديد المتظاهرين شفهياً باستهداف الأعين قائلاً: «اللى عايز عينه تروح يقرّب من هنا».
كما عزز عدد كبير من تسجيلات الفيديو التى قام المتظاهرون وشهود العيان بتسجيلها من حقيقة أن استهداف العيون كان قصدياً، ما يثبت سبق الإصرار والترصد فى إحداث الإصابة. ولعل أكثر اللقطات اشتهاراً هى تلك التى تم تداولها على الإنترنت والتى تظهر بوضوح ضابطاً من قوات الأمن يطلق النار على المتظاهرين فى شارع محمد محمود، ثم يقوم أحد جنوده بتهنئته على إصابة عين أحد المتظاهرين، بمقولة «جدع يا باشا. جت فى عين الواد».
أخبار متعلقة:
محمد محمود عام على «دماء الحرية»
أبطال الموقعة يسترجعون تفاصيل «السبت الدامى»: الدماء لا تزال فى رقابنا
«حيطان محمد محمود».. طريق الشهداء للوصول إلى وزارة الداخلية وسط «بركة الدم»
بروفايل: صفوت حجازى.. شيخ «العسكرى»
بروفايل: أحمد حرارة.. عيون الثورة
«الوطن» تشارك أهالى الشهداء ذكرى «الوجع الكبير»
«مشرحة زينهم».. شاهد على «الدم والرصاص»
«الحائط العازل».. أوقف نزيف الدم.. وجندى: «نقلناه من بنى يوسف للتحرير فى ساعة واحدة»
سكان «شارع الصدام».. أسبوع فى الجحيم
بروفايل: منصور العيسوى.. وزير بلا سلطة
بروفايل: حازم أبوإسماعيل.. الشيخ الثائر
أطباء التحرير.. جندى الثورة المجهول فى معارك الحرية
رجال الإسعاف الشعبى.. موتوسيكلات فى خدمة الثوار