تقرير لـ«البنك الدولى»: الأمن الغذائى لمصر دخل مرحلة الخطر
عاد ملف الأمن الغذائى من جديد يطرح نفسه وبقوة فى ظل اتجاه مؤشرات الأسعار العالمية للغذاء إلى الارتفاع، وباتت أزمة شبيهة بأزمة الغذاء العالمية التى شهدها العالم عام 2008 قاب قوسين أو أدنى من الظهور مرة أخرى.
أصدرت مجموعة البنك الدولى تقريرا بشأن مراقبة أسعار الغذاء، جاء فيه أن أسعار الغذاء العالمية قفزت بنسبة 10% خلال شهر يوليو الماضى، حيث وصلت أسعار الذرة وفول الصويا إلى مستويات قياسية بسبب نوبات الجفاف، وارتفاع درجات الحرارة فى الولايات المتحدة وشرق أوروبا.
وأوضح التقرير أن أسعار الذرة والقمح ارتفعت بنسبة 25%، والفول الصويا بنسبة 17%، فيما تراجع الأرز بنسبة 4%.[Quote_1]
وارتفع مؤشر البنك الدولى لأسعار الغذاء، الذى يتتبع أسعار السلع الغذائية المتداولة عالميا بشكل عام، 6% عما كان عليه فى يوليو من العام الماضى، و1% عن ذروته السابقة فى فبراير 2011.
ووفقا لكلام رئيس مجموعة البنك الدولى جيم يونغ كيم، فإن ارتفاع أسعار الغذاء بشدة مرة أخرى سيعرض صحة ملايين البشر للخطر، مؤكدا أن منطقتى الشرق الأوسط وأفريقيا، بوجه خاص، سيكونان الأكثر عرضة للتأثر بارتفاع الأسعار.
وعلى الرغم من كلام رئيس مجموعة البنك الدولى، فإن خبراء البنك لا يتوقعون تكرار سيناريو أزمة الغذاء التى شهدها العالم عام 2008، لكنهم أكدوا أن لجوء البلدان المصدرة للمحاصيل إلى سياسات مذعورة، قد يؤدى إلى حدوث زيادات كبيرة لأسعار منتجات الطاقة، ما سيؤدى بدوره إلى ارتفاع ملموس فى أسعار الحبوب، كما حدث قبل 4 أعوام.
وتؤكد كافة المعطيات الحالية أن الأمن الغذائى لمصر بوضعه الحالى فى خطر، وأن القطاع الزراعى ما زال يعانى المشكلات والمعوقات نفسها التى تحول دون زيادة الإنتاجية من المحاصيل الاستراتيجية وعلى رأسها القمح، إضافة إلى ضعف الاستثمار الزراعى وتراجع نسبة دعمه مقارنة بالقطاعات الأخرى، وكلها أمور عززت من تراجع الإنتاجية.وتؤكد البيانات المتاحة أن نسب تحقيق الاكتفاء الذاتى من الحبوب والمحاصيل الأساسية شهدت انخفاضا ملحوظا خلال العام الماضى، حيث بلغت نسبة تحقيق الاكتفاء الذاتى عام 2010 نحو 54,4% فى القمح، و53,2% فى الذرة، و52% فى الفول، فى حين بلغت فى الألبان 90%، و76% فى السكر، و66,9% فى اللحوم، وتراجعت نسبة الاكتفاء الذاتى من الأرز إلى 90% بدلا من 100%.
السؤال الآن هو هل يمكن لمصر أن تتحمل أى تقلبات سعرية مفاجئة مثل تلك التى شهدها العالم عام 2008؟ الإجابة تكاد تكون بالنفى لأسباب عدة حددها اقتصاديون على رأسهم الدكتور سعد نصار، المستشار السابق لوزير الزراعة، الذى قال إن «الحديث عن الأمن الغذائى لا يعنى بالضرورة وجود اكتفاء ذاتى من الغذاء، لكنه يعنى فى الأساس أن يكون هناك حد آمن من السلع الاستراتيجية، أو الأساسية، التى تتمثل فى القمح، والسكر، والزيوت».
واعتبر نصار أن الأمن الغذائى لمصر سيتحقق عندما توازى الصادرات الزراعية المصرية وارداتها من المحاصيل، مشيراً إلى أن نسبة الاستثمار الحالية فى القطاع الزراعى منخفضة للغاية، ولا تتجاوز 3%، فى حين أن النسبة المطلوبة لتحقيق معدلات الأمن الغذائى من المفترض ألا تقل عن 10%، وأكد أن تحقيق الأمن الغذائى فى مصر ليس بالأمر المستحيل، وأوضح أنه من الممكن زيادة إنتاجية القمح من خلال التوسع الأفقى فى زيادة المساحات المزروعة لتصل إلى 12 مليون فدان عام 2015، ليرتفع إنتاج القمح إلى 6 ملايين فدان بدلا من 3 ملايين فى الوقت الحالى.[Quote_2]
ومن وجهة نظر نصار فإن سعى الدول العربية لعمل تكامل عربى من شأنه تحقيق الأمن الغذائى لجميع الدول العربية، وهو الأمر الذى أيدته الدكتورة يمنى الحماقى أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، وطالبت بضرورة وجود خريطة زراعية محددة يمكن من خلالها الاستغلال الأمثل للطاقات الإنتاجية المعطلة.
وقال الدكتور أشرف عباس، الأستاذ بمعهد الاقتصاد الزراعى التابع لمركز البحوث الزراعية، «إن أزمة الغذاء فى مصر والعالم تتمثل فى مشكلة التوزيع وليس إتاحة الغذاء، وإن كافة المؤشرات المتعلقة بأسعار الغذاء تتجه إلى الارتفاع، وإن نسبة تحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح بوضعها الحالى غير كافية ومن الممكن زيادتها»، محذرا من مواجهة أخطار بسبب اعتماد مصر على استيراد 58% من احتياجاتها من القمح من دولتين فقط هما الولايات المتحدة وروسيا. ووفقا لكلام الدكتورة ماجدة قنديل، المدير التنفيذى السابق للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية ومستشار نائب رئيس البنك الدولى، فإن مصر تعد مستوردا صافيا للغذاء، وأكدت أن ذلك بدا واضحا بعد أزمة أسعار الغذاء العالمية التى انعكست على نسب تحقيق الاكتفاء الذاتى، وأن ارتفاع أسعار الغذاء المتوقع خلال العام الحالى سيترتب عليه ارتفاع فاتورة الواردات بمعدل 1,6% من الناتج المحلى الإجمالى، وزيادة تضخم أسعار المستهلكين بنسبة 2,2%، إضافة إلى تفاقم العجز المالى بنسبة 2,8% من الناتج المحلى، وقالت: «على الرغم من الآثار السلبية لارتفاع أسعار الغذاء العالمى، فإن الأزمة ساهمت فى النهوض بالمنتجين الزراعيين ولو بشكل نسبى، وهو ما ترتب عليه النهوض بمستوى المعيشة فى الريف المصرى»، وأشارت إلى أن أزمة الأسعار ساهمت فى زيادة المساحة المزروعة بالمحاصيل المهمة فى تحقيق الأمن الغذائى، ورفع إنتاجيتها عام 2010، حيث ارتفع إنتاج القمح إلى 8 ملايين طن، والأرز إلى 5,4 مليون طن، والذرة إلى 4.8 مليون طن، وأكدت أنه برغم ارتفاع تلك الإنتاجية بشكل نسبى فإن هناك صعوبات فى استمرار هذا الارتفاع فى مقدمتها ارتفاع أجور العمالة وإيجارات الأراضى الزراعية بنسبة 25%، وهى تمثل 80% من إجمالى التكاليف الزراعية لبعض المحاصيل، واعتبرت أن ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات بنحو 200% واحد من ضمن المعوقات التى تحول دون زيادة إنتاجية تلك المحاصيل الاستراتيجية ومن ثم تحقيق المعدلات الآمنة.
وانتقدت «قنديل» انخفاض دعم القطاع الزراعى، وضعف الاستثمارات الموجهة إليه رغم كونه واحدا من أكثر القطاعات تشغيلا.
وقالت الدكتورة أمنية حلمى، مدير المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، «إن مصر عانت لأول مرة منذ 10 سنوات من عدم الاكتفاء الذاتى من محصول الأرز الذى انخفض بنسبة 18% فى العامين الماضيين، وإن ذلك يشير بالفعل إلى تراجع معدلات الأمن الغذائى»، وحذرت من تزايد الفجوة بين إنتاج القمح واستهلاكه فى ظل انخفاض نسبة الاكتفاء الذاتى من القمح إلى أقل من 50% خلال العام الحالى، واقترحت ضرورة تأسيس صندوق حكومى لموازنة أسعار المحاصيل الزراعية للتدخل السريع حال وجود تقلبات مفاجئة فى الأسعار العالمية.