كان مشهد طلاب جامعة «جورج واشنطن» بوضع الكوفية الفلسطينية الشهيرة حول رقبة تمثال أول رئيس أمريكى، هو الـ«الماستر سين» بلغة السينمائيين، باعتباره المشهد الأقوى والمهم بين كل مشاهد التظاهرات الطلابية فى الجامعات الأمريكية، لما يحمله من دلالة رمزية، فالرجل (جورج واشنطن) الذى قاد حرب تحرير أمريكا من الاحتلال البريطانى قبل نحو (250 عاماً)، يرتدى تمثاله اليوم الكوفية، ويحمل علم فلسطين التى يطالب الطلاب بتحريرها من الاحتلال الإسرائيلى.
بات مخيم التضامن مع «غزة» فى جامعة «كولومبيا» مصدر الإلهام للطلاب الأمريكيين، للنضال ضد الدور الذى تلعبه الجامعات فى تعزيز الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين المستمر منذ (76 عاماً)، وتعهد الطلاب بمواصلة الاحتجاج حتى تكشف الجامعات عن أى استثمارات مالية فى الشركات التى تدعم الجهد العسكرى الإسرائيلى، والتخلّى عن صانعى الحرب والمستفيدين من الإبادة الجماعية فى «غزة».
إسرائيل تخشى من الحراك الطلابى فى الجامعات الأمريكية، لأنها تعى جيداً أن الحركة المماثلة التى بدأت فى ثمانينات القرن العشرين، ضد الفصل العنصرى فى «جنوب أفريقيا» انتهت بسقوط «نظام الأبارتايد»، وقبلها المظاهرات التى عمّت الجامعات الأمريكية ضد الحرب فى فيتنام.
وعلى مدى عشرات السنين، اعتمدت إسرائيل على النفوذ اليهودى فى الإعلام الأمريكى، لدعم سياساتها الاستيطانية، وتجنّب الإشارة إلى معاناة الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة.
ومع تكرار كلمات «فلسطين» و«الفلسطينيين» فى الإعلام الأمريكى، وامتداد الاحتجاجات إلى فئات أخرى خارج الجامعات واكتسابها صفة «الجماهيرية»، خرجت الأصوات الصهيونية من «تل أبيب» لمطالبة «واشنطن» باتخاذ موقف حاسم بزعم مواجهة «المعادين للسامية».
طالب «يوآف جالانت» وزير الدفاع الإسرائيلى، السلطات الأمريكية بالتدخّل لحماية اليهود فى الولايات المتحدة، وفى منشور له على منصة «إكس» اعتبر «جالانت» المظاهرات فى الجامعات الأمريكية معادية للسامية وتحريضاً على الإرهاب.
ودعا زميله اليمينى المتطرف «إيتمار بن غفير» وزير الأمن القومى، إلى تشكيل مجموعات مسلحة لحماية «يهود الشتات» مما اعتبره موجة عاتية من معاداة السامية تجتاح المجتمعات والجامعات فى الولايات المتحدة وأوروبا والعالم، على حد تعبيره.
وأشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى المخاطر السياسية التى يواجهها الحزب الديمقراطى، بسبب استمرار مشاهد الاضطرابات فى الجامعات، خاصة أن الحزب ركز دعايته لإعادة انتخاب الرئيس «جو بايدن» على حساب المرشح الجمهورى المحتمل (دونالد ترامب)، انطلاقاً من قدرته على ضمان الاستقرار والحياة الطبيعية.
ووفقاً لتقدير «دان سينا» الخبير الاستراتيجى الديمقراطى المخضرم، فإن الأشياء التى تخلق فوضى وطنية كالتى تشهدها الجامعات، تجعل من الصعب تصوير الديمقراطيين على أنهم يملكون السلطة.
وفى محاولة لإنقاذ الحزب، رفع عدد من الديمقراطيين عنوان «اللعبة العادلة»، وتحت هذا العنوان، أكدوا إدانتهم لمعاداة السامية، وعدم رفضهم إدانة إسرائيل.
لم يكن أكثر المتفائلين بإمكانية استعادة الحق الفلسطينى، يتوقع كل تلك التحولات المتسارعة فى الرأى العام الأمريكى، الذى اعتاد دعم إسرائيل منذ نشأتها، والفضل لطلاب الجامعات، ولعلها البشرى.
عقب توقيع اتفاقية «أوسلو»، بشّر الزعيم الراحل ياسر عرفات الفلسطينيين، قائلاً: لقد باتت دولتكم الفلسطينية المستقلة على مرمى حجر، والقدس، وإن كانوا يرونها بعيدة، فإنى أراها قريبة قريبة تستعد للاستقلال والحرية».