يختتم برنامج «فإنه لى» شهر رمضان المبارك بالكلام على أصل مهم من أصول العبادات؛ ليدرك العبد أحد المقاصد المهمة للعبادة وهو «أن الله تعالى نوَّع العبادات على العبد لا لأجل أن يشغله عن غيره تعالى، وإنما لأجل أن يدرك العبد أنوار فضل الله عليه ومحبته إليه»، وهذا تصديقاً لما رُوى فى الحديث القدسى الشريف: (وما يزال عبدى يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه...) [أخرجه البخارى].
إن تنوُّع العبادات على المسلم فى رمضان وغيره نعمة من نعم الله تعالى التى تستوجب الشكر، كما أنها مظهر من مظاهر اليسر والتخفيف والتودد إلى الله، فمن لا يستطيع قيام الليل سيجد أن باب الصدقة مفتوح، ومن لا يجد من المال ما يتصدق سيجد أن صلاة الضحى والتسبيح من الصدقات المقبولة عند الله، ومن لا يستطيع قراءة القرآن سيجد فى سماع القرآن أجراً عظيماً، بالإضافة إلى باب الذكر، وغير ذلك من أنوار كثيرة تتوالى على العبد فى جميع حالاته، قوة وضعفاً، صحة ومرضاً، غنـًى وفقراً، على أن نصوص السنة ناطقة باستمرار الأجر وقت الطوارئ، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد أو سافر كُتب له من الأجر مثلما كان يعمل صحيحاً مقيماً» [البخارى].
لأجل ذلك أردتُ أن أختم شهر رمضان بهذا الأصل المهم من أصول العبادة، وهو أن الله تعالى «نوَّع عليك أنوار العبادات، لا ليشغلك عن غيره ولكن ليجذبك إليه على الدوام حتى تعلم أنه لا يحبك أحدٌ كحبه»، فالله سبحانه وتعالى نوَّع علينا أنوار العبادات، فيجد المسلم نور الصدقة، ونور المحبة، ونور الإخلاص، ونور الرضا، ونور الصفاء، ونور العطاء، ونور التعلم... إلخ، فجعل تعالى حياة العبد مليئة بالأنوار؛ ليدرك الإنسان أن حب الله تعالى له لا يشبه حب أحد من المخلوقين، وهذا بدوره يقود إلى معنى مهم، وهو أن المسألة ليست أننى لكى أحب الله يجب أن أدخل فى صراع على الحب فى الحياة، أى إنه عند سماع قوله صلى الله عليه وسلم: «أن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما» [متفق عليه]، فلا يُفهم من ذلك أن يكون هناك صراع بين حب العبد لله وحبه لغير الله، ولكن عندما يفهم الإنسان معنى العبودية ومعنى العبادة سيفهم أنه لا يوجد صراع بين حب الله وحب غيره، هو حبه تعالى وحده، وكل حب بعد ذلك هو نابع من نور ذلك الحب.
لذا هذا التنوُّع لأنوار العبادات لا يُشتت الإنسان وليس غرضه أن يفتح على العبد أبواباً كثيرة من الطاعات التى لا طاقة له بها، وإنما يأخذ منها على قدر طاقته ووسعه، والإمداد من الله يأتى على قدر الاستعداد من العبد، وهذا التنوع كله يدور فى فلك قوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا). [البقرة: 286]، بمعنى أن الله تعالى يفتح للعبد أبواب الطاعة والقرب، وعلى العبد أن يدخل من الباب الذى يراه مناسباً، ولعله من أجل تلك الحكمة جعل الله تعالى من العبادات ما هو فرض وما هو نفل، أى ما هو لازم على المسلم بإلزام الشرع، وما هو من قبيل النوافل أى «اختيارى»، يتخير منه المسلم ما يراه مناسباً لحاله بحيث يجد فيه قلبه.
وإذا ما أضفنا إلى هذا التنوع الكثير وهذه الأنوار المتتابعة قضية مضاعفة الأجر على العمل، والجزاء الكثير على العمل القليل سيتضح جزء من عظيم فضل الله تعالى: (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، [البقرة: 261].