قبل أن تبدأ المرحلة الأولى من الحوار الوطني، طرح البعض السؤال المحوري، ما الضامن لجدية الحوار؟ و كانت الإجابة المباشرة هي الرئيس عبد الفتاح السيسي .
وبطبيعة الحال ظهر فريقان؛ الاول يضم من اقتنعوا بالإجابة، والثاني ضم آخرين ممن تمسكوا بموقفهم المتصلب وتوقعاتهم المرجحة للفشل، وما هى إلا أيام حتى تلقى المدعوون للحوار بطاقات المشاركة متضمنة نصاً فى منتهى الأهمية يطالب كل مشارك بتقديم رؤيته متضمنة مقترحاته لمحاور الحوار ومحدداته وآليات عمله وأجندته، وبهذا ظهرت ضمانة أخرى للجدية تدعم الإجابة عن السؤال، وتؤكد توافر الإرادة السياسية الداعمة للحوار.
الرئيس هو من دعا للحوار، وأعلن بعدها اهتمامه بمُخرجاته وتوصياته التي بلغت 129 توصية، بواقع 30 في المجال السياسي، و38 في المجال الاقتصادي، و61 في المجال المجتمعي، كلها صدرت بالتوافق، وجرى رفعها إلى رئيس الجمهورية، وتنوعت ما بين مُقترحات تشريعية وإجراءات تنفيذية في كافة المحاور السياسية والاقتصادية والمجتمعية، وتأكيده على إحالتها إلى الجهات المعنية بالدولة لدراستها وتطبيق ما يُمكن منها في إطار صلاحياته القانونية والدستورية، وإحالة ما يستوجب منها التعديل التشريعي إلى مجلس النواب لبحث آلياتها التنفيذية والتشريعية.
وها هي المرحلة الثانية على وشك البداية، بعد أن أكد الرئيس اهتمامه مجددًا، خلال استقباله لمنافسيه الثلاثة في الانتخابات الرئاسية مشيرًا لاستكمال الحوار الوطني برعايته التي بدأت منذ الجلسة الافتتاحية -يوم 3 مايو الماضي- عندما قال "الاختلاف في الرأي، لا يفسد للوطن قضية "
ما شهدته المرحلة الأولى للحوار من قيام الأحزاب بطرح رؤاها وأفكارها، وآرائها النقدية للسياسات الحكومية المطبقة، أتاح الفرصة لتقديم نفسها للرأي العام بشكل اكثر وضوحًا عبر هذه النافذة .
ونحن الآن أمام إرادة سياسية لازمة بالضرورة لنجاح الحوار، وتم اختبارها، ويجب البناء عليها من الجميع، للانتقال بالحياة الحزبية لمرحلة مغايرة عن تلك التي عانت فيها الحياة السياسية بشكل عام من قيود في عهود سابقة، وهو ما يلقي بمسئوليات مقابلة على الأحزاب الجادة والفاعلة، بالاستعداد للمرحلة الثانية من الحوار الوطني بأفكار ورؤى وسياسات واقعية، وقابلة للتنفيذ، على ضوء الإمكانيات الفعلية للدولة، دون الوقوع في أسر الشعارات البراقة التي لا ترضي إلا غرور من يرددها، ولا يمكن إغفال دور البرلمان والحكومة في التعامل بجدية مع مخرجات الحوار لترجمتها لقرارات وتشريعات وبرامج تنفيذية واضحة، حتى يشعر المصريون بالأثر الإيجابى لما تم، ولن يحدث ذلك إلا باستهداف تخفيف الأعباء عن طبقات وفئات اجتماعية تحملت الكثير -وما زالت تتحمل- ولم يعد فى قدرتها تحمل المزيد.
وهنا لا نتحدث عن مجرد مسئولية إجرائية للسلطتين التشريعية والتنفيذية، فهناك المسئولية السياسية أيضاً الملزمة -بداهةً- لكليهما بعدم إفراغ مخرجات الحوار من مضمونها، ولو اقتضى الأمر الرجوع لمضابط الجلسات للوقوف على حقيقة مقاصدها.
الحوار الوطني هو الفرصة المناسبة لاختبار قدرتنا جميعاً على الفعل وليس القول فقط، والجميع أيضًا يترقب النتائج، سواء المشاركون فى الحوار أو الرأى العام، وهناك أطراف خارجية تترقب إما فشلنا أو نجاحنا. كل حسب موقعه إن كان من الأعداء أو الأصدقاء.
المرحلة الأولى من الحوار الوطني يمكن اعتبارها سابقة خبرة، تدعم ما نأمله من نجاح للمرحلة الثانية، بعد تجاوز متاعب البدايات.