يبدو أننى أصبحت مضطراً للاعتراف بأننى أحب الوجبات السريعة أو تلك التى يطلقون عليها اسم «fast food»..!
نعم.. أحبها وأحب كل ما يصاحبها من المقبلات والبطاطس، بل والمشروبات الغازية..!
أحبها كالأطفال.. متجاهلاً كل ما أعرفه عن أضرارها.. متجاهلاً أطنان الدهون التى تلقيها بشرايينى.. بل ومتمسك بها للدرجة التى ربما أحتاج إلى من يمنعنى عنها عنوة أو حتى يحتفظ بها كمكافأة لى..!
أحبها وأعرف أن أبنائى يحبونها مثلى تماماً.. حتى كان منذ أيام حين اقترحت عليهم بصبيانية شديدة أن نبتاع من أحد المطاعم عشاءً لنا جميعاً.. لتخرج علىّ ابنتى رافضة بشدة.. والحجة هى أننا «مقاطعون»..!
لم أكن أتخيل أن تصل المقاطعة إلى هذه الدرجة من الحماس.. كل فترة تخرج دعوات لمقاطعة منتجات بعينها على صفحات التواصل الاجتماعى.. ثم تنحسر ذاتياً دون تأثير يذكر.. ولكننى أعتقد أن الأمر قد اختلف هذه المرة..!
لقد انتشرت المقاطعة لكل ما يحمل اسماً أو شعاراً لشركة عالمية بشكل لا يمكن تجاهله.. أصبحت صور المطاعم الخالية من الزبائن معتادة على صفحات التواصل الاجتماعى.. أصبح تقليدياً أن ترى منتجات لشركات عالمية متراصة على الأرفف فى المحلات، بينما تحمل على رأسها عروضاً ترويجية غير مسبوقة..!
لقد نجحت المقاطعة هذه المرة.. نجحت كما لم نفعل من قبل حين حاولنا ممارستها مراراً..!
نجحت لأن من امتلكوا زمامها هذه المرة شباب لم يتجاوز أكبرهم الخامسة والعشرين من عمره.. نجحت واعتبرها كثيرون انتصاراً يتفاخرون به.. حتى إن آثار المقاطعة والعروض الترويجية باتت تنتشر على صفحات التواصل تماماً كما ينشر الشباب فيديوهات المقاومة وكلمات أبوعبيدة، المتحدث الإعلامى لكتائب القسام..!!
أفضل ما فى تلك المقاطعات أنها عقوبات اقتصادية تفرضها الشعوب وليست الحكومات.. هى أحكام أخلاقية فى المقام الأول يقررها من لا يملك من الأمر سوى التعبير السلمى بالاستغناء.. والأجمل أنها تثير فزع الشركات حقاً..!
يتحدث البعض عن أنها لن تؤثر على الشركات العالمية.. وأن الأثر المباشر سيكون على الاقتصاد المصرى والعمالة المصرية التى ستفقد عملها إن أغلقت تلك المطاعم أبوابها.. كما تنادى بعض المنصات الإعلامية -غير المصرية -بأن أسهم الشركات المستهدفة فى المقاطعة قد ارتفعت فى بورصات العالم على عكس ما يعتقد البعض فى مصر.. وأننا لا نمثل لهم سوى قطرة فى بحر.. ولكننى أختلف كثيراً مع كل من يتبنى هذا الرأى..!
فى خمسينات القرن الماضى دعا مارتن لوثر كينج إلى مقاطعة شركات الأوتوبيس فى الولايات المتحدة اعتراضاً منه على بعض القوانين التى كانت سائدة فى ذلك الوقت مثل أن يجلس المواطنون سُمر البشرة فى مؤخرة السيارة وأن يقفوا ليجلس الرجل الأبيض.. وانتهى الأمر بأن تغيرت تلك القوانين بعد أن عانت تلك الشركات من خسارة كبيرة.. وفى سبعينات القرن الماضى خرجت دعوات متعددة لمقاطعة شركة dow chemical المنتجة للنابالم بعد استخدامه فى حرب فيتنام.. الأمر الذى أدى لتدهور سمعة الشركة وإيقاف العديد من الجامعات المشاريع المشتركة بينهم.. لتقرر الشركة الالتزام بمعايير أخلاقية.. وتصبح درساً لباقى الشركات..!
لن تؤذى المقاطعة الاقتصاد المحلى بقدر ما ستفيده.. فالإقبال على المنتجات المحلية سيصبح كثيفاً دون شك.. السوق ستصبح مفتوحة على مصراعيها لتجربة المنتج المصرى الذى لم يكن يجد فرصة للمنافسة أمام المنتج المستورد بحملاته الإعلانية.. كما لن يتأثر العاملون بتلك المطاعم لأنهم سيجدون بكل تأكيد فرصاً أخرى للعمل فى مطاعم مصرية..!
ربما لن تؤثر المقاطعة على المدى القصير على الشركات الأم.. هذا حقيقى.. ولكنها سترسل رسالة بعلم الوصول لهم أن حرصهم على دعم كيان ما سيؤدى بهم إلى خسارة كيان آخر.. وأن محاولاتهم لدعم فصيل بعينه ستؤدى بهم أن يفقدوا سوقاً رائجة لهم.. والأهم أنهم سيفقدون زبوناً مثلى حرمته المقاطعة من الوجبات السريعة التى يعشقها.. متجاهلاً أطنان الدهون التى تلقيها بشرايينى..!