علماء دين: «الإسراء والمعراج» معجزة ورسالة لكل مكروب ودليل قاطع على قدرة الله
د. محمد مهنا
حوت معجزة الإسراء والمعراج كثيراً من الآيات والمعانى والعبر والدروس المستفادة التى يمكن استلهامها فى حياتنا العملية واليومية من أجل الخروج من الكرب وتفريج الهموم التى يواجهها الإنسان فى حياته، هكذا أكد علماء الأزهر الشريف، موضحين ضرورة استلهام ما فيها من دروس وعبر فى عصرنا الحالى.
وقال الدكتور محمد مهنا، رئيس البيت المحمدى، إن الإسراء والمعراج ليلة مباركة، بها الكثير من الدروس والعبر والمنح والعطايا التى تأتى مع البلايا، لأنه لا ينفك لطفه سبحانه وتعالى عن قدَره أبداً، وإن المنَح تأتى على حافلة المحَن، والناس فى تلقى البلايا أصناف، ولكن كما يقول ابن عطاء الله السكندرى إنه إذا أحب الله عبداً ألبسه من وصفه، وكساه من نعته، فتتنزل الأقدار وقد سبقت إليه الأنوار فيتلقاها بالقبول والرضا، إنما صبّرهم على البلايا ورادات العطايا، وصبّرهم على الأقدار شهود حسن الاختيار.
«مهنا»: تعلمنا من الرحلة أن لكل مريد إسراء ومعراجا وأن الصبر يخفف ألم البلاء
وأضاف «مهنا» أن «الصبر يخفف ألم البلاء، والمحبة يستعذب فيها العبد الابتلاء»، مشيراً إلى أنه كان يسمع من شيخه رحمه الله أن لكل مريد إسراء ولكل مريد معراجاً، وكل مؤمن صادق إلى الله تعالى يسير على بساط الصدق إلى مولاه، وكان يقول إن الإسراء كان من الأرض إلى الأرض والمعراج من الأرض إلى السماء، نهاية الأرض بداية السماء، ومن الأقصى إلى سدرة المنتهى، ثم من سدرة المنتهى إلى حيث ليس له منتهى، وأن إلى ربك المنتهى، وهو ربك سبحانه وتعالى من ليس له منتهى، وإن شئت قلت إن السير إلى مقام الله تعالى من الإسلام إلى الإيمان إلى الإحسان، فنهاية الإسلام بداية الإيمان، ومنتهى الإيمان بداية الإحسان، فنهاية الإحسان ليست له منتهى لأن مقامات الإحسان لا تنتهى، فسير العبد لا يكون إلا بالله أو مع الله، متسائلاً: «فهل أدركنا هذه المعانى فى الإسراء والمعراج؟!».
ومن جانبه قال الدكتور ربيع الغفير، الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والإنسانية بجامعة الأزهر، إن رحلة الإسراء فى السماوات السبع خير دليل على أن المحَن تأتى فى طياتها منَح من الله للصابرين، وضرورة الثبات على المبدأ، ومظاهر الحب والتقدير لمكانة الأنبياء عليهم السلام وفيما بينهم، ومكانة المسجد الأقصى فى حياة أمة المسلمين.
وأكد أن رحلة الإسراء والمعراج من أروع المعجزات، وأعظم آيات الله التى أكرم بها نبيه الكريم، فلم تكن رحلته المباركة حدثاً عادياً، بل كانت تكريماً إلهياً وعطاء ربانياً للنبى الكريم، كما أن الرحلة اشتملت على معانٍ كثيرة ودروس عظيمة، منها أن المحن تتبعها المنح الربانية، وأن النصر مع الصبر.
الهدهد: من ينكر الإسراء ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة
وقال الدكتور إبراهيم الهدهد، الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر، إن الحبيب صلى الله عليه وسلم خير للناس أجمعين، مضيفاً أن العجيب فى سورة الإسراء أنها سُميت بها رغم أنها لا تتحدث عن الإسراء إلا فى آية واحدة، وهذا شأن القرآن العظيم، إذا أراد أن يدلك على عمود المعنى فى السورة سماها هو، لأن الصحيح أن تسمية السور بتوقيف من الله عز وجل وليست باجتهاد من رسول الله ولا صحبه الكرام، وأن اسم السورة يهدى إلى موقفها.
وأوضح «الهدهد» أن الافتتاح بكلمة «سبحان» حجر على العقول أن تفكر من أول الأمر، لا سيما أننا نجد فى بعض المواقع الإلكترونية من يتحدث عن أن رحلة الإسراء والمعراج لم تحدث وإنما كانت مناماً، ومن الناس من ينكرها، مؤكداً أن من ينكر الإسراء ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، فحينما نرى القرآن يقول من أول الأمر «سبحان» فقد قال لقارئه: لا تستطيع أن تُعمل عقلك لأنها معجزة، والله يُجرى المعجزات للأنبياء تأييداً وللأولياء تكريماً، فالبداية بقوله «سبحان الذى أسرى» تعنى أن ما يأتى بعدها خارق للعادة، ووردت بالسورة معجزات متعددة، فعندما حدد الله الرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، كان ذلك إيذاناً بهجرة المصطفى وإعلاماً بالمسجد النبوى الشريف، فلكل أول ولكل أقصى وسط، ولم يكن النبى صلى الله عليه وسلم قد هاجر حينذاك، ولكنها كانت بشارة بإقامة المسجد النبوى الشريف الذى كان منطلق الإسلام، ثم بيَّن ربنا أنه بارك حوله، ليقول لنا إن أى مسجد يقام يملأه الله بركة.
وأضاف «الهدهد» أن الله تعالى قال «سبحان الذى أسرى بعبده»، ولم يقل برسوله، لأن لكل مؤمن إسراء ولكل مؤمن معراجاً، فالذى يجعلك من أهل الإسراء والمعراج هو تحقيق العبودية، فأنت الذى تختار وتحدد متى يكون لقاؤك بالله، فمن أراد أن يكسر الله له كل معتاد فعليه أن يأخذ طريق العبودية، وأن يكون عبداً لله حقاً، وليس لغيره مُسترَقاً، موضحاً أن العلماء قالوا إن مقصد سورة الإسراء هو «الإقبال على الله وخلع كل ما سواه، ومن شرائط العبودية أن تكون سميعاً لله بصيراً بآلائه فى وجوده، وبه تصل وبغيره لن تصل».
ومن جانبه قال الدكتور عادل عبدالشكور، أحد علماء الأزهر الشريف، إن رحلة الإسراء والمعراج جاء بها الكثير من الدروس، منها أن حياة الإنسان لا تسير فى أى أمر إلا بالتوافق المجتمعى، وهو ما تحتاجه الأمة العربية، ولا بد أن تتوافق وتحل مشكلاتها مع بعضها البعض، كما أن تصديق سيدنا أبى بكر للرسول يدل على أنه لا بد من وجود ثقة متبادلة وحب متبادل بين الراعى والرعية حتى تسير عجلة الإنتاج والتنمية فى المجتمع الذى يريد البناء والإنتاج دون الحديث فقط بلا فعل.
وقال الدكتور أسامة أمين، المدرس بكلية أصول الدين، إن رحلة الإسراء والمعراج هى ثمرة من ثمرات الأخذ بالأسباب والثبات على المبادئ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم واجه تعباً شديداً فى دعوة الناس إلى الهداية، ودمى فى رحلة الطائف وعانى كثيراً من إيذاء الكفار له، ولكنه على الرغم من ذلك لم يتوانَ فى دعوة الناس والأخذ بالأسباب، كما أنها جاءت بعد وفاة السيدة خديجة وحزن الرسول صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً، فقرّبه الله إليه إلى حيث لا يقترب منه أحد حتى جبريل عليه السلام واخترق الحجب.
وتابع: تؤكد رحلة الإسراء والمعراج أن فضل الصلاة التى فُرضت 5 مرات أن الله هو أكبر ملاذ لأى إنسان وأنه لا يمل من شكواه مثل بنى البشر، فالله يريد أن يذكّرنا بأهمية الصلاة فى كشف الكربات وتفريج الهموم، علاوة على أنها أبانت عن أجناس كثيرة أيّدت الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أن رحلة الإسراء والمعراج، وصعود الرسول بجسده وروحه أمر شاهدناه فى التقييمات الحديثة، مثل سرعة الضوء وأن الإنسان يستطيع أن ينتقل من مكان لآخر بسهولة ودون عناء.