سيارة أجرة متوسطة الحجم، تلاحق عجلاتها أسفلت الطريق بسرعة كبيرة، طمعا في توفير دقائق عن موعد الوصول المحدد، تكتظ بالركاب بداخلها، وفي مقعدها الخلفي يجلس شخصان ضخما البنية، وسطهما طفل محشور بالكاد يتنفس في السنتيمترات المخصصة له من مقعده الذي جار عليه الركاب، لكنه لا يهتم لكل ذلك، فقط ما يدور بباله هو الشغف، والحلم الذي لم يفارق عقله الصغير على مدار شهر مضى، وادخر من أجله مصروف الشهر، ألا وهو حضور إحدى المسرحيات الثقافية.
رحلة طويلة يبدأها شنودة عادل، ابن قرية دير جبل الطير في مركز سمالوط بمحافظة المنيا، من القرية إلى المحافظة لمشاهدة مسرحية ضمن الخدمات الثقافية التي تقدم للأطفال، حتى يصل لمقر عرض المسرحية، يستقل 3 مواصلات بالإضافة إلى ركوبه للمعدية لعبور النيل في سبيل جلوسه على كرسي المتفرجين واستمتاعه بدقائق العرض.
معاناة الشاب العشريني، في طفولته من أجل تثقيف ذاته، كانت دافعا له في محاولة التخفيف عن أبناء قريته من الحرمان الثقافي والفني التي عاشها في طفولته، ليبدأ هو في البحث عن سبل ووسائل جديدة بالجهود الذاتية لتعويض ذلك الحرمان.
"مشروع مسرح مقالب الزبالة".. تلك هي الفكرة التي اهتدي إليها "شنودة"، بعد نقاش مع عدد من أصدقائه، حول إنشاء دوارت ثقافية وتعليمية لأبناء قريته والقرى المحيطة، فيروي لـ"الوطن"، أن الفكرة تمت بالتعاون مع الوحدة المحلية بالقرية، حيث تم تنظيف "مقالب القمامة"، وتجهيزها لتصبح حديقة ثقافية يمارس فيها الصغار والكبار الأنشطة الثقافية المختلفة.
تتنوع الأنشطة الثقافية التي تقدم خلال تلك الحدائق الجديدة ما بين ورش للرسم والتلوين، والتشكيل بالصلصال، كذلك تعلم الفن التشكيلي، وإقامة صالون ثقافي يتحدث فيه المثقفون عن أهمية القراءة وكيفية اختيار الكتب، "بنعمل معارض كتب مجانية يمكن الأطفال فيها الحصول على الكتب مجانا"، بهدف زرع حب القراءة والثقافة بداخلهم.
طموحات "شنودة" وأصدقائه لم تتوقف عند هذا الحد، فحرصوا على عقد تعاون مع المركز الدنماركي للحوار، وفيه حصلوا على عدة أفلام لعرضها على الأطفال، "عشان يتعرفوا على الثقافات المختلفة، من خلال مشاهدتهم لأفلام متعددة من جهات مختلفة" بحسب "شنودة".
حتى الوقت الحالي نظف الشاب العشريني رفقة أصدقائه 3 مقالب قمامة، اثنان منهما تم تخصيصهما لإقامة العروض المسرحية، وإتاحة الفرصة للكبار والصغار من أبناء القرى المحيطة بحضورها والاستمتاع بها، والحديقة الثالثة لورش الأعمال الفنية والثقافية، "ولسه هنستمر في طريقنا".
جميع الورش والعروض المقدمة للأطفال مجانية دون أي مقابل، ولكن يعتمد فيها "شنودة"، على الجهود الذاتية سواء من أصدقائه أو تطوعات الأسرة في القرية الراغبين في نشر الوعي الثقافي داخل القرية.
تعليقات الفيسبوك