بروفايل:أحمد جمال الدين..وزير التحديات
ذات يوم ليس ببعيد، همس رجل ما فى أذنه: « يا أحمد.. لا تدعهم يعبثوا بالوزارة.. حافظ عليها»، كان الرجل غاضباً، طوى كلماته سريعاً، ولملم أغراضه ومضى، وبقى طنين الكلمات فى أذن اللواء أحمد جمال الدين، وزير الداخلية الجديد آنذاك، ثم تلاحق هدير الأحداث بصخب وجلبة مرهقة لم تتح للرجل فرصة اختبار قدراته على الوفاء بمقتضيات النصيحة.
لم يعد لطنين الكلمات الآن أى أثر، قضى الأمر، وأدرك وزير الداخلية الجديد بفطنة المتمرسين فى دهاليز قطاع الأمن العام «مخ العمل الأمنى» الذى ترأسه وسط فورة جامحة لتفاعلات ما بعد ثورة 25 يناير، أن ملامح الواقع الجديد تتبدل بسرعة لافتة، لا تجدى معها المناورات أو المواءمات، فانتبذ مكاناً قصياً مفضلاً إمساك العصا من المنتصف، بحيث يمكنه إعادة الشرطة لدورها بلا تفريط أو إفراط، فى وقت وصفه عقب توليه مهام منصبه بـ«الصعب»، مؤكداً أن «مصر تحتاج إلى استقرار، والداخلية كلها ستكون على قلب رجل واحد».
لم يكد الوزير الجديد الذى يحمل رقم 84 فى سجل وزراء الداخلية المصريين يهنأ بمنصبه حتى تفجرت أحداث «الفيلم المسىء للرسول»، فى ميدان التحرير مرة أخرى، هذه المرة تتخللها محاولات لاقتحام السفارة الأمريكية، زار الميدان خلال الأحداث ثلاث مرات، قبل أن يقود القوات بنفسه صباح أمس الأول لتطهيره من المتظاهرين، بعدما مهد الإعلام لهذه الخطوة بما يكفى، رغم أنها جاءت متأخرة 3 أيام، ربما فكر الوزير خلالها فى كيفية التوفيق بين الأهواء المتعارضة للشارع المصرى ورأس السلطة واتجاهات الرأى العام، وربما وجد فى الأحداث فرصة للإفلات من لعنة الانتماءات والولاءات التى تلاحقه، باعتباره أحد رجال حبيب العادلى الذى عينه مديراً لأمن جنوب سيناء، وكذلك احتسابه ضمن كوادر الحزب الوطنى المنحل، خاصة أن عمه هو عبدالأحد جمال الدين زعيم أغلبية الحزب فى مجلس الشعب.
وبعيداً عن لعبة المواءمات، يبقى الرهان قائماً على قدرة أحمد جمال الدين، وزير الداخلية الجديد، الذى اختاره الإخوان، على تسيير أمور وزارة عتيقة ومعرفة مَواطن القصور والقوة بخبرة رجل تدرج فى كل مجالات العمل الأمنى، وعايش ائتلافات الثوار، وقاد جهود المصالحة معهم فى أعقاب الثورة، وشارك تقريباً فى كل حملات الداخلية لتطهير البؤر الإجرامية منذ أن تخرج فى كلية الشرطة عام 1974، قبل أن ينتقل للعمل فى المباحث الجنائية، ثم يصبح مفتشاً للأمن العام، ومباحث الوزارة، ومديراً لإدارة تنفيذ الأحكام، ثم مديراً لأمن جنوب سيناء وأسيوط، ومديراً لقطاع الأمن العام فى عهد اللواء منصور العيسوى، وزير الداخلية الأسبق، وهى الفترة التى نشط فيها جمال الدين متجهاً شرقاً إلى سيناء للمصالحة بين القبائل، فى محاولة للقضاء على الانفلات الأمنى هناك.