المجند «حازم»: «الموت بيجرى ورانا فى كل مكان نروحه»
الذهول يُسيطر عليه، أصدقاؤه من المجندين، يرقدون على «التروللى» الطبى الخاص بمستشفى الشرطة بالعجوزة، فى هذه اللحظات يُقابلهم مُجبراً، وليس دون ميعاد سابق، هو من يوصلهم إلى غرف العمليات، والإفاقة، وحتى استقرار الحالة داخل غرفتها، يراهم كما لم يعهدهم من قبل، وجوههم مُخضبة بالدماء، وما يرتدونه تحول لونه من الأسود إلى الأحمر القانى، فيما تذرف عينا «حازم رمضان» بالدموع عليهم، وتزداد وتيرة الحزن، حتى تصل إلى البكاء فور احتضار أحدهم، يوماً لم يشهده من قبل ويتمنى ألا يتكرر فى حياته العسكرية، التى ما زال يتبقى فيها عام واحد، ثم يغادرها، يعرفه الجميع مجنداً يقضى خدمته تم توظيفه لتوصيل المصابين عبر المصعد، لم يشعر بالملل، فما يقوم به من وجهة نظرة «واجب وطنى» لا يمكن أن يتأخر عنه.
حظه أفضل من غيره على الأقل فى نظر المجندين المصابين حيث يؤدى خدمته فى مستشفى مؤمن ولا يتعرض للمخاطر التى تواجههم فى الشارع يرد عليهم حازم «الموت بيجرى ورانا فى كل مكان ومحدش عارف ساعته هتيجى امتى وفين».
من السابعة صباحاً، وحتى غروب الشمس، يقف «حازم» مُساعداً للجميع، تطرق إلى مسامعه صوت انفجار شديد، لم يتبين أنها مديرية أمن القاهرة، قبل أن يتوافد المصابون صوب مستشفى العجوزة، ليعرف حجم الخسائر، صعوداً وهبوطاً بين أدوار المبنى الطبى، يساعد الجميع، يجلب للأطباء أشياءهم، ويخصص مصعداً واحداً من الثلاثة الموجودين للحالات الطارئة، وجوه كثيرة قابلها ومرت عليه، الآلام أضحت عبارات تخرج من أفواه غير واعية على شكل «آهات»: «طلعت حوالى 55 مصاباً»، القاطن بمبنى المستشفى، ما إن تهدأ الأمور قليلا، حتى يطمئن على أحد أصدقائه المجندين، الذين تلقوا إصابة فى المخ جراء الانفجار الذى حدث فى منطقة الدقى «عنده نزيف فى المخ.. يارب يعيش»، متذكراً الشاب الآخر الذى توفى فى الوقت الذى كان مقرراً له دخول غرفة العمليات «قضاء ربنا كان قريب»، يؤكد الشاب العشرينى أن سيارة مرت أمام المستشفى فى اليوم السابق للتفجير «لولا ستر ربنا.. ووجود الكلاب اللى خرجت عليها.. كان انفجار تانى حصل هنا»، قبل أن يُشير إلى «القدر» الذى يُصيب كل شخص «ربنا كاتب لكل واحد هيعيش قد إيه»، يقاطعه أحد الأطباء «جهز الأسانسير يا رمضان»، يأتى التروللى، فيعلم «رمضان» أن حالة أخرى انضمت وستأخذ مكانها بين المصابين الآخرين «أول مرة فى حياتى أشوف عدد المصابين ده»، قبل أن يستطرد بقوله: «وظيفتى هنا مهمة.. لو حالة اتأخرت عن دخول غرفة العمليات أو إسعافها أكتر من اللازم ممكن تموت.. الدقيقة الواحدة ساعات بتفرق كتير».