شرفت أن كنت بجامعة المنصورة فى ندوة يوم الثلاثاء الماضى بصحبة دكتور مدحت العدل. تحدث هو فيها عن ديوانه «شبرا مصر.. 36 شارع الأفضل»، بينما جاء حديثى حاملاً عنوان «يعنى إيه كلمة وطن؟». لن أحدثكم عن استقبال الطيبين من أهل المنصورة لنا ومشاعرهم فهو المعتاد، ولن أحدثكم عن هدوء المدينة وطيبتها المنعكسة على الوجوه قبل الطرق فهذا طبيعى. ولكن دعونى أحدثكم عما خفى فهو أهم.
نظم اللقاء طلبة الجامعة من مختلف الكليات. فهذا مصطفى محاوراً كأروع ما يكون، وهذا عمر مُنظماً للحفل ومصوراً له كأتقن ما تتمنى، وهذا كورال الجامعة الموهوب بقائده، وهذا إبراهيم المنشد الدينى الذى أبكانا بحلاوة صوته. أسأل فأعلم أن رئيس الجامعة دكتور محمد القناوى قد اختار الطلبة معاونين له يجتمع بهم ويحضرون اجتماع مجلس الجامعة للاستماع وإبداء الرأى والفكرة حتى لو لم يؤخذ بها. أصمت أمام روعة التجربة التى تمنح الخبرة لجيل سيأتى لا محالة، وتدفعهم للاحتكاك الحقيقى بالعمل حتى لو أخطأوا. وأدعو فى نفسى بتعميمها فهى السبيل للوقاية.
ينظمون لنا فى أعقاب الندوة الرائعة جولة داخل مؤسسات الجامعة الطبية ونحن فى الطريق يحدثنا دكتور محمد القناوى عن إنجاز مركز الكبد فى الجامعة منذ أسابيع بإجرائه العملية الجراحية رقم 500 فى زراعة الكبد بنجاح رغم قلة الإمكانيات وعدم التسويق الإعلامى له.
أبتهج للخبر الذى لا يلبث أن يتوارى عند وصولنا لباب مستشفى الأطفال الذى لن تصدق أنه مستشفى حكومى عند دخولك له. نعم مستشفى حكومى بمواصفات مستشفيات القطاع الخاص ونظافته وحداثة أجهزته وحضور أطبائه ورضا المرضى وذويهم. يرتسم الهدوء على وجوه الجميع رغم المرض الذى جاء بصغارهم للمكان، ففيه وجدوا الرعاية المجانية دون إهدار لكرامة. هذه أم من بورسعيد وتلك من بلطيم والثالثة من المحلة والرابعة من الزقازيق... جميعهم جاءوا على سمعة المستشفى وصيتها فى العلاج. يأخذنا دكتور أحمد، مدير المستشفى، لرؤية جهاز الرنين المغناطيسى أحدث أجهزة المستشفى والذى يخبرك بفرحة أنهم أخذوا موافقة شرائه قبل تحرير سعر الصرف ليزيح أعباء عن كاهل المرضى. ثم نجد أنفسنا فى ساحة بأحد الأدوار بها لعب للأطفال ومهرجين بألوان مرحة فنعرف أنهم طلبة فى كلية الصيدلة جاءوا ليتبرعوا بوقتهم لإبهاج هؤلاء الأبرياء وقت وجودهم بالمستشفى.
تترك الأطفال بقلب رائق ونتوجه لمركز الكُلى. ترن فى أذنى كلمات سبق أن قالها لى دكتور محمد غنيم مؤسس المركز منذ سنوات حين قال لى: «لم يشغلنى تأسيس المركز بقدر ما شغلنى وضع نظام يسير به ويكمل نجاحه من بعدى». يستقبلنا مدير المركز الفاضل وأحبس أنفاسى من فرط الانبهار بمستوى الأداء والتصميم والهدوء والرعاية. أنظر لصديقى دكتور مدحت العدل بحكم كونه طبيباً وزائراً للعديد من المستشفيات فى الخارج. فأجده يقول إن المركز يفوق ما رآه فى بريطانيا وشبيه لما رآه فى أمريكا. أمضى سائرة بين المرضى داعية لهم بالأمان والشفاء كما وجدوا العلاج بكرامة. ويخبرنا مدير المستشفى أن تكلفة العلاج جنيه واحد فقط يدفعه المريض أول مرة عند حضوره لها. يلفت نظرى قاعة محاضرات على أحدث مستوى بها مجموعة من الأطباء العرب من مختلف البلدان جاءوا ليزيدوا من خبراتهم.
لا يختلف الحال فى مستشفى الأورام، فنمتلئ بالزهو والأمل فى غد أفضل بجهود مصريين يعملون فى صمت ويمنحون بلادهم ميزة تنافسية فى بعض تخصصات الطب حتى لو لم يشعر بهم أحد. ونتساءل أنا ودكتور مدحت العدل لماذا لا يأتى الرئيس لزيارتهم وتشجيعهم والدعاية لهم وسط إعلام لا يرى إلا سواد الليل ولا يرضى بمنحنا بؤر النور فى بلادنا؟ نعم تحتاج مؤسسات المنصورة الطبية زيارة الرئيس ودعمنا وتبرعاتنا وأيادينا الممدودة لتكون نموذجاً يُحتذى فى ربوع مصر كلها.
فللمنصورة سلام وللرئيس زيارة لها.. نعم تستحق.