المشهد السياسى الآن: أوله توافق وآخره تراشق.. وكله «مش لاعب»
«قالت أمى مرة.. يا أولادى عندى لغز من منكم يكشف لى سره؟ تابوت قشرته حلوى ساكنة خشب والقشرة.. قالت أختى: «التمرة».. حضنتها أمى ضاحكة.. لكنى خنقتنى العبرة.. قلت لها: بل تلك بلادى».. أبيات شعرية تناستها العقول للشاعر أحمد مطر، فى البحث عن شعب يحتمى تحت مظلة التوافق، التى أصبحت «زلة» كل الألسنة منذ بداية الثورة وحتى قبيل ساعات قليلة من تنصيب أول رئيس للجمهورية بعد الثورة.
«لمن نشكو مآسينا.. ومن يُصغى لشكوانا ويُشدينا.. أنشكو موتنا ذلا لوالينا؟.. وهل موتٌ سيُحيِينا.. قطيعٌ نحن.. والجبار راعينا».. ربما يكون هذا هو حال المواطن البسيط الذى لم يهتم يوماً من الأيام فى الدخول إلى تلافيف السياسة المُظلمة سواء من انتخابات برلمانية أو رئاسية أو حتى المشاركة فى صياغة دستور، لأن كل ما يشاهده من خلال شاشات التليفزيون هو دعوة البعض إلى التوافق فى قضية ما، وبعدها بأيام ينقلب الحوار إلى تراشق بالألفاظ واشتباكات بالأيدى.. ليتفرغ الفقير الدائر فى عجلة الإنتاج للبحث عن قوت يومه.. وينسى التوافق والتراشق.
شعار «التوافق» الذى يظهر كمخرج منطقى وضرورى من الأزمة لا يعنى الاتفاق فى كل شىء، ولكنه يعنى إدارة الاختلاف بوعى ورشد.. بما لا يطمس خصوصية أى طرف.. ولا يطالبه بالتنازل عن مبادئه أو شعاراته.. بعد خلع الرئيس السابق حسنى مبارك، قررت الأحزاب السياسية التوافق على مطالب محددة لإيصالها إلى المجلس العسكرى، ولكن فور الإعلان عن الاستفتاء على التعديلات الدستورية انقسمت الأحزاب، فالدينية منها قررت الموافقة على التعديلات، بينما باقى الأحزاب اتجهت إلى التصويت بـ(لا) لتحقيق مبدأ المواطنة.. وتحول التوافق إلى تراشق بين الطرفين واتهامات بالجهل والتكفير.
«اتفقوا على ألا يتفقوا» مقولة ربما تكون صدى الجماهير التى تتابع المشهد، ولعل «وثيقة السلمى» أبرز مظاهر هذا، كان من بنودها أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ينظر دون غيره فى كل ما يتعلق بالشئون الخاصة بالجيش، وهو البند الذى أثار جدلا واختلافا تحول إلى هجوم شرس على «السلمى» لدرجة احتشاد المتظاهرين بالملايين رفضا للوثيقة.
«لا تنتقموا بل توافقوا».. رسالة وجهها المناضل نيلسون مانديلا إلى المصريين، ميدان التحرير الذى تحول من التوافق إلى الانسحاب، كان من أهم أسباب الاختلاف، ففى جمعة 27 مايو رفعت القوى المدنية شعار «الدستور أولا»، فانسحب الإخوان والتيارات الإسلامية.. وفى جمعة 29 يوليو رفعت القوى السلفية وتابعوها شعار «إسلامية إسلامية»، فانسحبت القوى السياسية المدنية.
«الجمعية التأسيسية للدستور» بعد تشكيل أعضائها قبل فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية، قوبلت بالتراشق لعدم ضمها شخصيات متوافق عليها من قبل الجماهير، وبعد اختيار الأعضاء النهائيين قبيل أيام من اختيار الرئيس القادم لمصر، قوبلت بالانتقاد لتنتهى الحالة المصرية إلى عدم الرضا عن أى شىء.. «المواطن المصرى كفر بكل شىء».. هذه هى النتيجة الطبيعية بعد زيادة حدة التراشق بين الأطراف -وفقاً للدكتور يسرى عبدالمحسن أستاذ الطب النفسى- ويُضيف: «كلٌّ يفقد الثقة فى نفسه ويشعر المصرى باليأس والإحباط وهو ما يدعوه إلى التفكير فى الابتعاد عن الساحة السياسية».
فى الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية لم يدل جميع الناخبين بأصواتهم، وذلك بسبب «التخبط والعراك السياسى»، حسب «عبد المحسن»، ويقول: «تجد مواطنا يلعن الثورة.. بينما آخر يفقد إيمانه بالديمقراطية.. لأنه لا يرى سوى التراشق والتشابك تارة بالأحذية ومرة أخرى عن طريق التصريحات الإعلامية.. فيتجه للعزلة والابتعاد».