واسينى الأعرج: الأنظمة العربية وضعت المواطن فى "سلة الزبالة"
نسخة قديمة مهلهلة كانت موجودة فى كُتّاب قريته الصغيرة بالجزائر غيرت مسار حياته وقادته إلى عشق اللغة العربية حتى أصبح من أكبر الروائيين العرب.
الغريب أن «واسينى الأعرج» كان يظن أن هذه نسخة من القرآن الكريم، لكنه اكتشف بعد سنوات أنها رواية شهيرة. الأعرج له مؤلفات أدبية باللغتين العربية والفرنسية تجاوزت الثلاثين كتاباً فى مختلف فنون الإبداع، حصل من خلالها على العديد من الجوائز المحلية والعربية. يقضى أغلب أوقاته متنقلاً بين فرنسا، حيث عمل أستاذاً فى جامعة السوربون، وبين الجزائر حيث يدرس فى الجامعة المركزية.
«الوطن» التقت الأديب الكبير خلال زيارة قصيرة لمصر بدعوة من مكتبة الإسكندرية، وهذا نص الحوار.
■ بحكم قراءتك المتأنية للتاريخ.. هل ترى أن قطار الربيع العربى سيتوقف عند تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا أم سيمتد إلى دول عربية أخرى؟
- الأنظمة العربية قمعية، احتقرت المواطنة والمواطن العربى ووضعته فى سلة الزبالة، فانتقم ولجأ إلى العزل والقتل أيضاً كما حدث مع القذافى. لكن الثورات العربية معرضة للإجهاض الآن. أنا مؤمن بأن أمريكا والدول الغربية لا يهمها أن نكون دولاً ديمقراطية.. بل تهمها مصلحتها أولاً. هؤلاء لا يستطيعون منع ذلك لأن الحاكم الأقوى الآن فى بلاد الربيع العربى هو الشارع وليس الجالس على مقعد الحكم، لذا أتمنى على كل حاكم أن يتعامل بذكاء وأن يحتوى الآخر، فالشارع لن يغفر له أى إخفاق لأن حاجز الخوف سقط.
■ عشت 10 سنوات فى سوريا وأنت مرتبط بها وجدانياً.. ما رأيك فى المذابح اليومية التى يرتكبها نظام بشار الأسد؟
- أنا حزين جداً لأن ولدىّ مولودان هناك. الشعب السورى طيب، وقد تمنيت أن يكون النظام أذكى من ذلك، لكنه خيب ظنى ولم يتعلم درس القذافى. الحاكم العربى أعمى فى علاقته مع السلطة، وعندما جاء بشار إلى الحكم فتح المنتديات، لكنه سرعان ما أغلقها بعد نصائح الحرس القديم. بدأت أنزعج منذ شاهدت حادث درعا الأول ووجدت بشار يضحك فى البرلمان. هذه الضحكة احتقار للشعب.
■ قلت إن إقدام الهيئة المصرية العامة للكتاب على نشر أول كتاب لك «رماد مريم» مغامرة.. لماذا؟
- أنا أقصد مغامرة فى المشروع ككل لأنهم انفتحوا على مشروع قومى وهذه تجربة متميزة. أنت الآن فى حاجة إلى شبكة من العلاقات العربية بحيث تختار النصوص التى تعبر عما يجيش فى الوطن العربى فضلاً عن اختيار القيمة الثقافية والأدبية المناسبة له، لذا أتمنى أن تستمر هذه المغامرة وأن تسير بعيداً وتتطور لتكون فرصة للاطلاع على الأدب العربى مثلما تفعل مجلة «دبى» الثقافية.
■ كنت من الأصوات الداعية إلى ضرورة رأب الصدع فى العلاقات المصرية الجزائرية عقب مباراة كرة القدم الشهيرة بين البلدين.. كيف تقيم العلاقات الحالية بينهما الآن؟
- جئت إلى مصر فى عز الأزمة بدعوة من مكتبة الإسكندرية، وكان الجمهور طيباً، واستقبلت بمحبة عالية منذ وصولى إلى مطار القاهرة.
■ بذلت مجهوداً كبيراً فى تعلم العربية فى ظل الاستعمار الفرنسى وتفردت عن أبناء جيلك بالكتابة بها، كيف حدث ذلك؟
- بعد استشهاد والدى عام 1959 أخذت والدتى موقع الأب، لأنها أصبحت معيلنا الوحيد، حيث خرجت تعمل لتنفق علينا بينما أخذت جدتى موقع الأم بحنانها، وكانت عاطفتها كبيرة حيث علمتنى الحكى. كانت تحكى بلغة شعبية بسيطة وكنت أظن أنها تخرف، ومع مرور الوقت وبعد وفاتها علمت أن ما كانت ترويه صحيحاً، مما أصابنى بالذهول وأنا دون السادسة. كانت الجدة تنصحنى بتعلم العربية وقراءة القرآن، فكنت أستيقظ كل يوم فى الخامسة صباحاً لقضاء ساعتين فى كتّاب القرية قبل موعد المدرسة الفرنسية التى لم تكن تدرس العربية إلا ساعتين فى الأسبوع، وبالفعل بدأت أتعلم بدايات اللغة وكانت الكتابة وقتها بطرق بدائية صعبة. كان يوجد فى «الكُتّاب» مصاحف جديدة، بينها نسخة مهلهلة يتفاداها الطلاب. وجئت متأخراً ذات مرة فوقع فى حظى النسخة القديمة هذه وقرأتها على أنها قرآن، وعندما كنت أقارن بين شكل الكتابة فى نسختى ونسخ زملائى كان كل شىء يبدو مختلفاً، وظللت متعلقاً بهذا الكتاب القديم حتى إننى سرقته. وعندما كانت الجدة تمر على وتجدنى ممسكاً بالكتاب، عاكفاً على قراءته كانت تحمد ذلك وتسعد به جداً، وكانت تقول: «واسينى الوحيد اللى سليل أجداده». وبعد سنوات اكتشفت أن هذه النسخة القديمة ليست قرآناً بل كانت الجزء الأول من كتاب (ألف ليلة وليلة).
■ أنت مهموم بالشأنين السياسى والثقافى، لكنك ترفض الوزارة عندما تعرض عليك.. هل أنت ضد عمل الأديب بالسياسة؟
- بالفعل، عرض علىّ تولى وزارة الثقافة الجزائرية، لكن المشكلة تكمن فى غيرتى على الكتابة والأدب. أحب السفر ولا أريد أن أكون رهين مجموعة من المعطيات.