هى خارج الصناديق، كل الصناديق.. «يفكر خارج الصندوق» عبارة يعرفها الجميع، إما للدلالة على حسن التفكير وعبقرية الأداء، أو سوء التخطيط وسماجة التفعيل، وذلك بحسب التحرك داخل أو خارج الصندوق. وبالنسبة لدبى، فهى تفكر وتتحرك وتسير وتتقدم خارج كل الصناديق. هم لا يسيرون عكس الاتجاه، أو معه، لكنهم يصنعون لأنفسهم اتجاهاً مغايراً، وهذا أول الابتكار. وسيرهم هذا لا يأتى فى قعدة حلوة، أو بدافع إبهار، أو من وحى اللحظة، ثم يذهب كل فى طريق. هم يخططون، ويتكتكون، ويأتون بمن هو قادر على رسم الخطط الطموحة لكن الواقعية، الفريدة لكن القابلة للتحقيق. حين أسسوا شبكة طرق أسسوها كما ينبغى لشبكة الطرق أن تكون. وحين قرروا أن يكون جانب من اقتصادهم قائماً على الاستثمار، جهزوا لذلك كما ينبغى لجو الاستثمار أن يكون. وحين أيقنوا أن التعليم هو السبيل الوحيد لأن يسيروا بسرعة نحو الأمام، قرروا أن يكون التعليم أولوية قصوى والثقافة غاية عظمى. وحين عرفوا أن السبيل لتشييد البنية الأساسية للبلاد وتنفيذ المشروعات يمر من بوابة استقدام العمالة الأجنبية، هيأوا لها أجواء جاذبة (على اختلاف مستوياتها وتراوح جنسياتها وأحياناً تضارب ثقافاتها) وضمنوا تناغمها بعيداً عن الاحتقانات بترسيخ قواعد وأسس تضمن حريات هذا فى حدود المسموح، وتتيح التزام ذاك طالما فى حيزه الشخصى. وحيث إن العنصر البشرى هو كلمة السر، حيث يبقى العامل الضامن لنجاح التجربة المختلفة شكلاً وموضوعاً، فقد وضعوه نصب أعينهم لينتقل من مرحلة الرضا إلى السعادة. والسعادة التى وجدت طريقها إلى حكومة دبى عبر منصب رسمى وتحديداً وزارة دولة ليس حبراً على ورق، أو خيالاً شاطحاً، أو حتى وجاهة اجتماعية وربما سياسية، لكنه قائم على تخطيط للحالة النفسية التى يود المواطن والمقيم أن يكون عليها. وعلى الرغم من ضلوع العامل الاقتصادى بشكل واضح فى جعل دبى وجهة تتمناها الملايين من الشرق والغرب، إلا أن السعادة من منظور حكومى تكمن فى أن يتسلل الشعور بالسعادة إلى الأفراد عبر تعامل حكومى فى مصلحة حكومية من خلال موظف حكومى سعيد ومن ثم راغب وقادر على تقديم الخدمة بوجه مبتسم. (وقد تعدوا بالطبع مرحلة أن يقوم الموظف بمهام عمله أصلاً لأن حصوله على راتب آخر الشهر يعنى أنه مجبر على القيام بمهام عمله وليست منة منه ولا ينبغى أن يتقاضى عنها محفزات مالية إضافية غير رسمية، والمعروفة فى ثقافات أخرى بسياسة الدرج المفتوح). وحتى يكون الموظف سعيداً فإن الأجواء المحيطة به، بدءاً بالمواصلات التى يستخدمها للوصول إلى العمل، مروراً بالطرق التى يسلكها، والمستشفيات التى يطلب فيها العلاج لنفسه وأسرته، ووسائل الترفيه التى يلجأ إليها أحياناً باختلاف مستوياتها تضمن له حداً من الحياة الآدمية التى تؤهله للسعادة. ومن دواعى سعادتى مشاركتى فى منتدى الإعلام العربى الذى انعقد قبل أيام فى دورته الـ15 بمزيد من النجاح. وخلطة النجاح هنا لا تكمن فقط فى أن تكون عناوين الجلسات جاذبة ومواكبة للواقع المتخم بأحداثه، أو أن تكون النقاشات ثرية ومفيدة، والكلمات الملقاة جميلة ومنمقة وغيرها، لكن الوصفة هنا تعتمد بشكل كبير على التنظيم، حيث لا مجال للهرج والمرج، أو الفوضى والعشوائية، أو التأجيل والترحيل، أو حتى التقاعس عن العمل عبر ملامح الوجه الميتة القرفانة، أو لغة الجسد البليدة المتواكلة، أو غيرها من الرسائل التى يبدع فيها آخرون بحيث ينشرون طاقة سلبية مفادها «أعمل هنا لأنى مضطر ومضغوط، لكنى فى الحقيقة مش طايقك ولا طايق نفسى». ورغم أن العمل بما يرضى الله سمة من سمات من يحبون الله، إلا أن التعبير عن هذا الحب بشكل جهورى زاعق ليس سائداً. فالإغراق فى الجوانب الحسية التى تهدف إلى توصيل ذلك حسياً لا وجود له، سواء عبر المظهر والتأكيد عليه ورفض من لا يلتزم به، أو من خلال سد الطرقات وقت الصلاة، وتعطيل العمل أثناء النهار حتى يتمكن كل العاملين من تأدية الصلاة جماعة وبعدها السنة، على أن ينتظر المواطنون شاءوا أم أبوا، كانوا فى عجلة من أمرهم أو بطء منه، أو تناحر المؤذنين بأصوات بعضها مؤذٍ لفرط قبحه. قد يجادل البعض أن قدراً من قواعد المجتمع قائم على أسس صناعية، لكنه يظل قائماً على أساسات قوية، تحمل تخطيطاً ومنهجاً وخطة عمل ورؤية. هم قادرون على وضع رؤية لما يجب أن تكون عليه دبى بعد خمس سنوات، وربما عشر، وقبل الإعلان عن هذه الرؤية -مهما كانت طموحة وجميلة ووطنية- يخضعونها لدراسة عملية متأنية، وقياس إمكانات تحقيقها بناء على ما هو متاح. وفى حال توافرت القدرة على التفعيل، وتم إعداد خطة عمل لا تغفل تفصيلة كبيرة أو صغيرة، يتم إعلانها. إعلان منتدى الإعلام العربى عن مؤتمرات ولقاءات قريبة بينها مثلاً قمة للـ«سناب شات» تستضيفها دبى بعد أيام وتجمع أبرز الناشطين فى هذه المنصة العنكبوتية، إنما يؤكد أن دبى تسير فى طريق مغاير. المنتدى يرعاه نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لكنها رعاية خارج الصندوق، حيث مشاركة وتفاعل ومتابعة، وأيضاً قصيدة يكتبها ويلقيها أمام الإعلاميين العرب إهداء منه لهم. أما عقل المنتدى المدبر وقلبه النابض فهى السيدة منى المرى، مدير المكتب الإعلامى فى حكومة دبى ورئيس نادى دبى للصحافة، وهى سيدة خارج صندوق المرأة التقليدى.